العلاوة) بكسر العين أيضًا عطف على سابقه، والعدل أصله نصف الحمل على أحد شقي الدابة، والحمل العدلان. والعلاوة ما يجعل بين العدلين، فهو مثل ضرب للجزاء في قوله:(﴿الذين إذا أصابتهم مصيبة﴾) مما يصيب الإنسان من مكروه (﴿قالوا: إنّا لله﴾) عبيدًا وملكًا (﴿وإنا إليه راجعون﴾) في الآخرة فلا يضيع عمل عامل، وليس الصبر المذكور أول آية الاسترجاع باللسان، بل وبالقلب. بأن يتصور ما خلق له، وأنه راجع إلى ربه، ويتذكر نعمه عليه، ليرى أن ما أبقي عليه أضعاف ما استردّ منه، ليهوّن على نفسه ويستسلم له، والمبشر به محذوف دل عليه قوله:(﴿أولئك عليهم صلوات﴾) مغفرة أو ثناء (﴿من ربهم ورحمة﴾) وهما العدلان. كما قاله المهلب، ورواه الحاكم في روايته المذكورة موصولاً عن عمر بلفظ: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة نعم العدلان. (﴿وأولئك هم المهتدون﴾)[البقرة: ١٥٦ - ١٥٧] نعم العلاوة. وكذا أخرجه البيهقي عن الحاكم.
وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره من وجه آخر، قال الزين بن المنير: ويؤيده وقوعها بعد: على المشعرة بالفوقية، المشعرة بالحمل. وهو عند أهل البيان من باب الترشيح للمجاز، وذلك أنه لما كانت الآية ﴿أولئك عليهم … ﴾ كذا وكذا، ولفظة: على، تعطي الحمل، عبر عمر ﵁ بهذه العبارة، وقيل: العدلان: إنا لله وإنا إليه راجعون، والعلاوة الثواب عليهما وغير ذلك والأولى أولى، كما لا يخفى. واعلم أن الصبر ذكر في القرآن العظيم في: خمسة وتسعين موضعًا، ومن أجمعها هذه الآية ومن آنقها ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ [ص: ٤٤] قرن: هاء الصابر بنون العظمة ومن أبهجها قوله: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ [الرعد: ٢٣، ٢٤].
(وقوله تعالى) بالجر، عطفًا على باب الصبر، أي: وباب قوله: (﴿واستعينوا﴾) على حوائجكم (﴿بالصبر﴾) أي بانتظار النجح والفرج توكلاً على الله تعالى أو بالصوم الذي هو صبر عن المفطرات، لما فيه من كسر الشهوة وتصفية النفس (﴿والصلاة﴾) بالالتجاء إليها، فإنها جامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية، من الطهارة وستر العورة، وصرف المال فيهما، والتوجه إلى الكعبة، والعكوف للعبادة، وإظهار الخشوع بالجوارح، وإخلاص النية بالقلب، ومجاهدة الشيطان، ومناجاة الحق، وقراءة القرآن، والتكلم بالشهادتين، وكف النفس عن الأطيبين، حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب (﴿وإنها﴾) أي: الاستعانة بهما، أو: الصلاة وتخصيصها بردّ الضمير إليها لعظم شأنها، واستجماعها ضروبًا من الصبر (﴿لكبيرة﴾) لثقيلة شاقة (﴿إلا على الخاشعين﴾)[البقرهّ: ٤٥] المخبتين، والخشوع الاخبات. وأخرج أبو داود، بإسناد حسن، عن حذيفة، قال: كان رسول الله ﷺ إذا حز به أمر صلى. ومن أسرار الصلاة أنها تعين على الصبر لما فيها من الذكر والدعاء والخضوع.