وتعقبه العيني: بأن ما ذكره تخمين وحسبان، ولئن سلمنا أنه هو ذلك الغير، فلا نسلم أن هذا مناسب لما ذكره الغير، بل هو بعينه مثل ما قاله أنس، وفي إيراد المؤلّف لأثر أنس المذكور دليل على اختياره لهذا المذهب، وهو: التخيير في المشي مع الجنازة. وهو قول الثوري وغيره، وبه قال: ابن حزم، لكنه قيده بالماشي لحديث المغيرة بن شعبة المروي في السنن الأربعة، وصححه ابن حبان والحاكم مرفوعًا: الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها.
والجمهور أن المشي وكونه أمامها أفضل للاتباع، رواه أبو داود بإسناد صحيح، ولأنه شفيع، وحق الشفيع أن يتقدم.
وأما ما رواه سعيد بن منصور وغيره عن عليّ موقوفًا: المشي خلفها أفضل، فضعيف، وكونه قريبًا منها بحيث يراها إن التفت إليها أفضل منه بعيدًا بأن لا يراها لكثرة الماشين معها، ولو مشى خلفها حصل له أصل فضيلة المتابعة وفاته كمالها، ويكره ركوبه في ذهابه معها، لحديث الترمذي: أنه ﷺ رأى ناسًا ركبانًا مع جنازة، فقال ألا تستحيون، إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب. نعم، إن كان له عذر كمرض، أو في رجوعه فلا كراهة فيه.
وبالسند قال:(حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني، قال:(حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه) أي الحديث الآتي (من الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب، وللمستملي، عن الزهري بدل من والأوّل: أولى، لأنه يقتضي سماعه منه، بخلاف رواية المستملي. وقد صرّح الحميدي في مسنده بسماع سفيان له من الزهري (عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(أسرعوا بالجنازة) إسراعًا خفيفًا بين المشي المعتاد والخبب، لأن ما فوق ذلك يؤدّي إلى انقطاع الضعفاء، ومشقة الحامل، فيكره. وهذا إن لم يضره الإسراع، فإن ضرّه فالتأني أفضل، فإن خيف عليه تغير أو انفجار أو انتفاخ زيد في الإسراع (فإن تك) أي: الجنازة (صالحة) نصب خبر كان (فخير) أي: فهو خير، خبر مبتدأ محذوف (تقدمونها) زاد العيني كابن حجر: إليه أي: إلى الخير، باعتبار الثواب، أو الإكرام الحاصل له في قبره، فيسرع به ليلقاه قريبًا وفي توضيح ابن مالك: أنه روي: إليها، بالتأنيث، وقال: أنث الضمير الزائد على الخير. وهو مذكر، وكان ينبغي أن يقول: فخير تقدّمونها إليه، لكن المذكر يجوز تأنيثه إذا أوّل بمؤنث كتأويل الخير الذي تقدم إليه النفس الصالحة بالرحمة أو بالحسنى أو بالبشرى، والجار والمجرور مذكرًا ومؤنثًا ساقط من الفرع كأصله (وإن