من حديث أبي سعيد فمشى معها من أهلها (حتى يصلّي) بكسر اللام وفي رواية الأكثر: بفتحها، وهي محمولة عليها. فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة من الذي يشهد، زاد ابن عساكر في نسخة: عليها أي على الجنازة، وللكشميهني: عليه، أي: على الميت (فله قيراط) فلو تعددت الجنائز، واتحدت الصلاة عليها دفعة واحدة، هل تتعدد القراريط بتعددها أو لا تتعدد نظرًا لاتحاد الصلاة؟.
قال الأذرعي: الظاهر التعدد، وبه أجاب قاضي حماه البارزي، ومقتضى التقييد بقوله في رواية أحمد وغيرها: فمشى معها من أهلها، أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، لكن ظاهر حديث البزار السابق حصوله أيضًا لمن صلّى فقط، لكن يكون قيراطه دون قيراط من شيع مثلاً وصلّى، ويؤيد ذلك رواية مسلم عن أبي هريرة حيث قال: أصغرهما مثل أحد، ففيه دلالة على أن القراريط تتفاوت. وفي مسلم أيضًا: من صلّى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط، فظاهره حصول القيراط وإن لم يقع اتباع. لكن يمكن حمل الاتباع هنا ما بعد الصلاة، لا سيما وحديث البزار ضعيف.
(ومن شهدها حتى تدفن) أي: يفرغ من دفنها، بأن يهال عليها التراب، وعلى ذلك تحمل رواية مسلم: حتى توضع في اللحد (كان له قيراطان) من الأجر المذكور، وهل ذلك بقيراط الصلاة أو بدونه؟ فيكون: ثلاثة قراريط، فيه احتمال. لكن سبق في كتاب الإيمان التصريح بالأول، وحينئذ فتكون رواية الباب معناها: كان له قيراطان، أي بالأول ويشهد للثاني ما رواه الطبراني مرفوعًا:"من تبع جنازة حتى يقضى دفنها كتب له ثلاثة قراريط".
وهل يحصل قيراط الدفن وإن لم يقع اتباع فيه بحث، لكن مقتضى قوله في كتاب الإيمان: وكان معها حتى يصلّى عليها، ويفرغ من دفنها، أن القيراطين إنما يحصلان بمجموع الصلاة والاتباع في جميع الطريق وحضور الدفن، فإن صلّى مثلاً وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له إلا قيراط واحد، صرح به النووي في المجموع وغيره، لكن له أجر في الجملة.
قال في فتح الباري: وما قاله النووي ليس في الحديث ما يقتضيه إلا بطريق المفهوم، فإن ورد منطوق بحصول القيراط بشهود الدفن وحده، كان مقدامًا. ويجمع حينئذ بتفاوت القيراط. والذين أبوا ذلك جعلوه من باب المطلق والمقيد، لكن مقتضى جميع الأحاديث أن من اقتصر على التشييع، ولم يصل، ولم يشهد الدفن، فلا قيراط له إلا على طريقة ابن عقيل السابقة.
والقيراط بكسر القاف، قال الجوهري: نصف دانق، والدانق: سدس درهم فعلى هذا يكون القيراط جزء من اثني عشر جزءًا من الدرهم وقال أبو الوفاء بن عقيل: نصف سدس درهم، أو نصف عشر دينار. وقال ابن الأثير: هو نصف عشر الدينار في أكثر البلاد، وفي الشأم جزء من أربعة وعشرين جزءًا، وقال القاضي أبو بكر بن العربي. الذرّة جزء من ألف وأربعة وعشرين جزءًا