قال شيخنا ولا انحصار له في هذا، بل قد يكون كلٌّ من المتابع والمتابع لا اعتماد عليه، فباجتماعهما تحصل القوة، ومثال المتابع والشاهد ما رواه الشافعي في الأم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال:"الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه. فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". فإنه في جميع الموطآت عن مالك بهذا السند بلفظ فإن غمّ عليكم فاقدروا له. وأشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ عن مالك فنظرنا فإذا البخاري روى الحديث في صحيحه، فقال حدّثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدّثنا مالك به بلفظ الشافعي سواء، فهذه متابعة تامة في غاية الصحة لرواية الشافعي، ودلّ هذا على أن مالكًا رواه عن عبد الله بن دينار باللفظين معًا وقد توبع فيه عبد الله بن دينار من وجهين عن ابن عمر، أحدهما أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع، فذكر الحديث، وفي آخره فإن غمّ عليكم فاقدروا ثلاثين. والثاني أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن جدّه ابن عمر بلفظ فإن غمّ عليكم فكملوا ثلاثين. فهذه متابعة لكنها ناقصة، وله شاهدان أحدهما من حديث أبي هريرة رواه البخاري عن آدم عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ فإن غمّ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين. وثانيهما من حديث ابن عباس، أخرجه النسائي من رواية عمرو بن دينار عن محمد بن حنين عن ابن عباس بلفظ حدّثنا ابن دينار عن ابن عمر سواء. وإنما أطلت الكلام في هذا لكثرة ما في البخاري منه والله سبحانه الموفق والمعين.
والشاذ ما خالف الراوي الثقة فيه جماعة الثقات بزيادة أو نقص فيظن أنه وهم فيه. قال ابن الصلاح الصحيح التفصيل، فما خالف فيه المنفرد من هو أحفظ وأضبط فشاذ مردود، وإن لم يخالف بل روى شيئًا لم يروه غيره وهو عدل فصحيح أو غير ضابط، ولا يبعد عن درجة الضابط فحسن، وإن بعد فشاذ منكر. ويكون الشذوذ في السند كرواية الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس ﵄، أن رجلاً توفي على عهد رسول الله ﷺ ولم يدع وارثًا إلى مولى هو أعتقه الحديث. فإن حماد بن زيد رواه عن عمرو مرسلاً بدون ابن عباس، لكن قد تابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وغيره. ويكون في المتن كزيادة يوم عرفة في حديث "أيام التشريق أيام أكل وشرب" فإن الحديث من جميع طرقه بدونها، وإنما جاء بها موسى بن علي (بالتصغير) ابن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر، كما أشار إليه ابن عبد البر. على أنه قد صحح حديث موسى هذا ابنا خزيمة وحبان والحاكم، وقال على شرط مسلم، وقال الترمذي حسن صحيح. وكأن ذلك لأنها زيادة ثقة غير منافية لإمكان حملها على حاضري عرفة.
والمنكر الذي لا يعرف متنه من غير جهة راويه فلا متابع له ولا شاهد، قاله البرديجي. والصواب التفصيل الذي ذكره ابن الصلاح في الشاذ، فمثال ما انفرد به ثقة يحمل تفرّده حديث مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد ﵄ رفعه