وبالسند إلى المصنف قال:(حدّثنا سليمان أبو الربيع) بن داود الزهراني العتكي المتوفى بالبصرة سنة أربع وثلاثين ومائتين (قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر) هو ابن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني قارئ أهل المدينة الثقة الثبت وهو من الثامنة المتوفى ببغداد سنة ثمانين ومائة (قال: حدّثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل) الأصبحي التيمي المدني من الرابعة المتوفى بعد الأربعين (عن أبيه) مالك جدّ إمام الأئمة المتوفى سنة اثنتي عشرة ومائة (عن أبي هريرة)﵁(عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(آية المنافق) أي علامته واللام للجنس وكان القياس جمع المبتدأ الذي هو آية ليطابق الخبر الذي هو (ثلاث) وأجيب: بأن الثلاث اسم جمع ولفظه مفرد على أن التقدير آية المنافق معدودة بالثلاث.
وقال الحافظ ابن حجر: الإفراد على إرادة الجنس أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الثلاث. قال: والأوّل أليق بصنيع المؤلف ولهذا ترجم بالجمع انتهى. وتعقبه العلامة العيني فقال: كيف يراد الجنس والتاء فيها تمنع ذلك لأن التاء فيها كالتاء في تمرة، فالآية والآي كالتمرة والتمر. قال: وقوله إنما تحصل باجتماع الثلاث يشعر بأنه إذا وجد فيه واحد من الثلاث لا يطلق عليه منافق وليس كذلك بل يطلق عليه اسم المنافق، غير أنه إذا وجد فيه الثلاث كلها يكون منافقًا كاملاً. وأجيب بأنه مفرد مضاف فيعم كأنه قال: آياته ثلاث.
(إذا حدّث) في كل شيء (كذب) أي أخبر عنه بخلاف ما هو به قاصدًا للكذب (وإذا وعد) بالخير في المستقبل (أخلف) فلم يَفِ وهو من عطف الخاص على العامّ، لأن الوعد نوع من التحديث وكان داخلاً في قوله: وإذا حدّث ولكنه أفرده بالذكر معطوفًا تنبيهًا على زيادة قبحه.
فإن قلت: الخاص إذا عطف على العامّ لا يخرج من تحت العامّ وحينئذ تكون الآية اثنتين لا ثلاثًا. أجيب: بأن لازم الوعد الذي هو الإخلاف الذي قد يكون فعلاً ولازم التحديث الذي هو الكذب الذي لا يكون فعلاً متغايرًا فبهذا الاعتبار كان الملزومان متغايران وخلف الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مقارنًا للوعد، أما لو كان عازمًا ثم عرض له مانع أو بدا له رأي فهذا لم يوجد منه صورة النفاق. وفي حديث الطبراني ما يشهد له حيث قال: إذا وعد وهو يحدّث نفسه أنه يخلف، وكذا قال في باقي الخصال. وإسناده لا بأس به وهو عند الترمذي وأبي داود مختصرًا بلفظ: إذا وعد الرجل أخاه ومن نيّته أن يَفِي له فلم يَفِ فلا إثم عليه وهذا في الوعد بالخير، أما الشر فيستحب إخلافه وقد يجب.
(و) الثالثة من الخصال (إذا ائتمن) على صيغة المجهول من الائتمان أمانة (خان) بأن تصرف فيها على خلاف الشرع. ووجه الاقتصار على هذا الثلاث أنها منبّهة على ما عداها إذ أصل عمل الديانة منحصر في ثلاث: القول والفعل والنية، فنبّه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النيّة بالخلف، وحينئذ فلا يعارض هذا الحديث بما وقع في الآتي بلفظ: أربع من كنّ فيه، وفيه: وإذا عاهد غدر إذ هو معنى قوله: وإذا ائتمن خان لأن الغدر خيانة.