للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بكر الصديق، كما عند أحمد والبزار والطبراني، أو هو رجل من الأنصار. وجمع بتعدد السائلين عن ذلك، ففي حديث عبد الله بن عمر فقال أصحابه: (يا رسول الله أفلا نتكل) نعتمد (على كتابنا) أي: ما كتب علينا وقدّر، والفاء في: أفلا معقبة لشيء محذوف أي: أفإذا كان كذلك لا نتكل على كتابنا (وندع العمل) أي: نتركه (فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير) فسيجره القضاء (إلى عمل أهل السعادة) قهرًا، ويكون مآل حاله ذلك بدون اختياره (وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصبر) فسيجره القضاء (إلى عمل أهل الشقاوة) قهرًا؟

(قال) : (أما أهل السعادة فييسرون لعمل) أهل (السعادة) وفي نسخة: فسييسرون باعتبار معنى الأهل (وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل) أهل (الشقاوة). وحاصل السؤال: ألا نترك مشقة العمل فإنا سنصير إلى ما قدر علينا فائدة في السعي فإنه لا يرد قضاء الله وقدره. وحاصل الجواب: لا مشقة، لأن كل أحد ميسر لما خلق له، وهو يسير على من يسره الله عليه.

قال في شرح المشكاة: الجواب من الأسلوب الحكيم منعهم عن الاتكال، وترك العمل، وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية، يعني: أنتم عبيد، ولا بدّ لكم من العبودية فعليكم إمرتكم، وإياكم والتصرف في أمور الربوبية، لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] فلا تجعلوا العبادة وتركها سببًا مستقلاً لدخول الجنة والنار، بل هي علامات فقط. اهـ.

(ثم قرأ ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ [الليل: ٥] الآية. وزاد أبو ذر والوقت ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] وساق في رواية سفيان إلى قوله: ﴿لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠] فقوله: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى﴾ أي: أعطى الطاعة، واتقى المعصية، وصدق بالكلمة الحسنى، وهي التي دلت على حق، ككلمة التوحيد، وقوله: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل: ٧] فسنهيئه للخلة التي تؤدي إلى يسر وراحة كدخول الجنة ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ﴾ بما أمر به ﴿وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل: ٨] بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى، ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠] للخلة الموجبة إلى العسر والشدة كدخول النار.

وهذا الحديث أصل لأهل السنة في أن السعادة والشقاوة بتقدير الله القديم واستدلّ به على إمكان معرفة الشقي من السعيد في الدنيا، كمن اشتهر له لسان صدق وعكسه، لأن العمل أمارة على الجزاء على ظاهر هذا الخبر، والحق أن العمل علامة وأمارة، فيحكم بظاهر الأمر. وأمر الباطن إلى الله تعالى، وقال بعضهم: إن الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال، وغيب عنا المقادير لقيام الحجة، ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته، فمن عدل عنه ضل، لأن القدر من أسراره، لا يطلع عليه إلا هو فإذا دخلوا الجنة كشف لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>