للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعُد لا يسمعه، فيكون مقصورًا على الملكين. لكن في حديث البراء: يسمعها ما بين المشرق والمغرب. والمفهوم لا يعارض المنطوق، وفي حديث أبي سعيد عند أحمد: يسمعه خلق الله كلهم (غير الثقلين) الجنّ والإنس. وغير نصب على الاستثناء.

وفي هذا الحديث: إثبات عذاب القبر، وأنه واقع على الكفار، ومن شاء الله من الموحدين. والمسألة، وهل هي واقعة على كل أحد؟ فقيل: إنما تقع على من يدّعي الإيمان إن محقًا وإن مبطلاً لقول عبيد بن عمير، أحد كبار التابعين، فيما رواه عبد الرزاق: إنما يفتن رجلان مؤمن ومنافق، وأما الكافر فلا يسأل عن محمد، ولا يعرفه. والصحيح أنه يسأل، لما ورد في ذلك من الأحاديث المرفوعة الصحيحة الكثيرة الطرق، وبذلك جزم الترمذي الحكيم، وقال ابن القيم في الروح: في الكتاب والسنة دليل على أن السؤال للكافر والمسلم قال الله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ﴾ [إبراهيم: ٢٧] وفي حديث أنس، في البخاري: وأما المنافق والكافر، بواو العطف. وهل يسأل الطفل الذي لا يميز؟ جزم القرطبي في تذكرته أنه يسأل، وهو منقول عن الحنفية، وجزم غير واحد من الشافعية بأنه لا يسأل. ومن ثم قالوا: لا يستحب أن يلقن.

وقال عبيد بن عمير، مما ذكره الحافظ زين الدين ابن رجب في كتابه، أهوال القبور: المؤمن يفتن سبعًا والكافر أربعين صباحًا. ومن ثم كانوا يستحبون أن يطعم عن المؤمن سبعة أيام من يوم دفنه. وهذا مما انفرد به، لا أعلم أحدًا قاله غيره. نعم، تبعه في ذلك، وفي قوله السابق، بعض العصريين، فلم يصب والله الموفق.

وقد صح أن الرابط في سبيل الله لا يفتن، كما في حديث مسلم وغيره، كشهيد المعركة، والصابر في الطاعون الذي لا يخرج من البلد الذي يقع فيه قاصدًا بإقامته ثواب الله، راجيًا صدق موعوده، عارفًا أنه إن وقع له فهو بتقدير الله تعالى، وإن صرف عنه فبتقديره تعالى، غير متضجر به لو وقع، معتمدًا على ربه في الحالتين لحديث البخاري والنسائي، عن عائشة مرفوعًا: فليس من رجل يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما قد كتب الله له، إلا كان له مثل أجر الشهيد.

وجه الدليل أن الصابر في الطاعون، المتصف بالصفات المذكورة، نظير المرابط في سبيل الله. وقد صح أن المرابط لا يفتن، ومن مات بالطاعون فهو أولى، وهل السؤال يختص بهذه الأمة المحمدية، أم يعم الأمم قبلها؟ ظاهر الأحاديث التخصيص، وبه جزم الحكيم الترمذي، وجنح ابن القيم إلى التعميم، واحتج بأنه ليس في الأحاديث ما ينفي ذلك، وإنما أخبر النبي أمته بكيفية امتحانهم في القبور، قال: والذي يظهر، أن كل نبيّ مع أمته كذلك، فتعذب كفارهم في قبورهم بعد سؤالهم، أقامة الحجة عليهم، كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>