أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٦] وكما في هذا الحديث نحو: الذي يأتيني فمكرم، فلو كان المقصود: بالذي معينًا، امتنع دخول الفاء على الخبر، كما يمتنع دخولها على أخبار المبتدءات المقصود بها التعيين، نحو: زيد فمكرم، فمكرم، لم يجز فكذا لا يجوز الذي يأتيني إذا قصدت به معينًا. لكن الذي يأتيني عند قصد التعيين شبيه في اللفظ بالذي يأتيني عند قصد العموم، فجاز دخول الفاء حملاً للشبيه على الشبيه، ونظيره قوله تعالى: ﴿وما أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ الله﴾ [آل عمران: ١٦٦] فإن مدلول: ما، معين ومدلول: أصابكم، ماض. إلا أنه روعي فيه الشبه اللفظي، فشبه هذه الآية بقوله: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠] فأجرى: ما، في مصاحبة الفاء مجرى واحد. قاله ابن مالك. قال الطيبي في شرح مشكاته: هذا كلام متين. لكن جواب الملكين تفصيل لتلك الرؤيا المتعددة المبهمة، فلا بد من ذكر كلمة التفصيل، كما في البخاري أو تقديرها، أي: فالفاء جواب أما (فيصنع به ما رأيت) من شق شدقه (إلى يوم القيامة) لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد.
(و) أما (الذي رأيته يشدخ رأسه) بضم الياء وفتح الدال من: يشدخ مبنيًّا للمفعول، ورأسه نائب عن الفاعل (فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل) أي: أعرض عن تلاوته (ولم يعمل فيه بالنهار) ظاهره أنه يعذب على ترك تلاوة القرآن بالليل، لكن يحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الأمرين: ترك القراءة وترك العمل. (يفعل به) ما رأيت من الشدخ (إلى يوم القيامة) لأن الإعراض عن القرآن بعد حفظه جناية عظيمة، لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب الإعراض عنه، فلما أعرض عن أفضل الأشياء عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس.
(و) أما الفريق (الذي رأيته في الثقب) بفتح المثلثة، ولأبي الوقت: في النقب (فهم الزناة) وإنما قدر بقوله: وأما الفريق، لأنه قد يستشكل الأخبار عن الذي بقوله: هم الزناة، لا سيما والعائد على الذي من قوله والذي رأيته لا يخفى مفردًا، فروعي اللفظ تارة، والمعنى أخرى. قاله في المصابيح.
(و) الفريق (الذي رأيته في النهر أكلو الربا، والشيخ) الكائن (في أصل الشجرة إبراهيم) الخليل ﵇ وقدر بالكائن لأن الظاهر كون الظرف، أعني: في الشجرة صفة للشيخ، فيقدر عامله اسمًا معرفًا لذلك رعاية لجانب المعنى، وإن كان المشهور تقديره فعلاً أو اسمًا منكرًا. لكن ذلك إنما هو حيث لا مقتضى للعدول عن التنكير، والمقتضى هنا قائم، إذ لا يجوز أن يكون ظرفًا لغوًا معمولاً للشيخ إذ لا معنى له أصلاً، ولا أن يكون ظرفًا مستقرًا حالاً من الشيخ إذ الصحيح امتناع وقوع الحال من المبتدأ. قاله العلامة البدر الدماميني. وحذفت الفاء من قوله: آكلو الربا، ومن قوله: إبراهيم، نظرًا إلى أن أما لما حذفت حذف مقتضاها.
(و) أما (الصبيان) الكائنون (حوله) أي إبراهيم (فأولاد الناس) دخلت الفاء على الخبر لأن الجملة معطوفة على مدخول: أما في قوله: أما الرجل الذي رأيته يشق شدقه. وهذا موضع الترجمة،