(باب إثم مانع الزكاة، وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه وبالرفع على الاستئناف (﴿والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها﴾) الضمير للكنوز الدال عليها يكنزون أو للأموال فإن الحكم عام وتخصيصهما بالذكر لأنهما قانون التموّل أو للفضة لأنها أقرب ويدل على أن حكم الذهب كذلك بطريق الأولى (﴿في سبيل الله﴾) المراد به المعنى الأعم لا خصوص أحد السهام الثمانية، وإلا لاختص بالصرف إليه بمقتضى هذه الآية (﴿فبشرهم بعذاب أليم﴾)[التوبة: ٣٤] هو الكيّ بهما (﴿يوم يحمى عليها في نار جهنم﴾) يوم توقد النار ذات حمى وحر شديد على الكنوز، وأصله: تحمى بالنار فجعل الإحماء للنار مبالغة، ثم طوى ذكر النار وأسند الفعل للجار والمجرور تنبيهًا على المقصود وانتقل من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير وإنما قال: عليها والمذكور شيئان لأن المراد دنانير ودراهم كثيرة، كما قال عليّ ﵁: فيما قاله الثوري عن أبي حصين عن أبي الضحى عن جعدة بن هبيرة
عنه: أربعة آلاف وما دونها نفقة وما فوقها كنز (﴿فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم﴾) لأنها مجوّفة فتسرع الحرارة إليها أو الكي في الوجه أبشع وأشهر وفي الظهر والجنب أوجع وآلم وقيل: لأن جمعهم وإمساكهم كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم بالمطاعم الشهية والملابس البهية. وقيل: لأن صاحب الكنز إذا رأى الفقير قبض جبهته وولى ظهره وأعرض عنه كشحه. وقيل: إنه لا يوضع دينار على دينار ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل درهم في موضع على حدة.
وروى ابن أبي حاتم مرفوعًا: ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله بكل صفيحة من نار تكوى بها قدمه إلى ذقنه (﴿هذا ما كنزتم لأنفسكم﴾)، أي يقال لهم ذلك (﴿فذوقوا﴾) وبال (﴿ما كنتم تكنزون﴾)[التوبة: ٣٥] أي كنزكم أو ما تكنزونه، فما: مصدرية أو موصولة. وأكثر السلف أن الآية عامة في المسلمين وأهل الكتاب، وفي سياق المؤلّف لها تلميح إلى تقوية ذلك خلافًا لمن ذهب إلى أنها خاصة بالكفار والوعيد المذكور في كل ما لم تؤدّ زكاته. وفي حديث عمر: أيما مال أدّيت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونًا في الأرض وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض. وسياق هذه الآية بتمامها في غير رواية أبي ذر وله: ﴿والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله﴾ إلى قوله: ﴿فذوقوا ما كنتم تكنزون﴾.