وضم الهاء من الهم بفتح الهاء وهو ما يشغل القلب من أمر يهم به، ورب منصوب مفعول يهم، ومن يقبل صدقته في محل رفع على الفاعلية وأسند الفعل إليه لأنه كان سببًا فيما حصل لصاحب المال وبضم الياء وكسر الهاء من أهمه الأمر إذا أقلقه. قال العيني: فعلى هذا أيضًا الإعراب مثل الأول أي في نصب رب على المفعولية لأن كلاًّ من مفتوح الياء ومضمومها متعد. يقال: همه الأمر وأهمه. وقال النووي: ضبطوه بوجهين أشهرهما بضم أوّله وكسر الهاء ورب مفعول والفاعل من يقبل، والمعنى أنه يقلق صاحب المال ويحزنه أمر من يأخذ منه زكاة ماله لفقد المحتاج لأخذ الزكاة لعموم الغنى لجميع الناس، والثاني بفتح أوّله وضم الهاء من هم بمعنى قصد ورب فاعل ومن مفعول أي يقصده فلا يجده انتهى. ففرقوا بينهما فجعلوا الأول متعديًا من الإهمام ورب مفعولاً والثاني من الهم القصد ورب فاعلاً. وتعقب الزركشي والبرماوي وغيرهما الثاني فقالوا: هذا ليس بشيء إذ يصير
التقدير يقصد الرجل من يأخذ ماله فيستحيل وليس المعنى إلا على الأول. وأجاب البدر الدماميني: بأنه لا استحالة أصلاً فإنهم قالوا المعنى أنه يقصد من يأخذ ماله فلا يجده، وإذا لم يجد الإنسان طلبته التي هو حريص عليها فلا شك أنه يحزن ويقلق لفوات مقصوده فعاد هذا إلى المعنى الأول انتهى.
ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى يهم رب المال من يقبله أي المال صدقة (وحتى يعرضه) بفتح أوله (فيقول الذي يعرضه عليه:) بنصب يقول عطفًا على الفعل المنصوب قبله (لا أرب لي) بفتحات أي لا حاجة لي لاستغنائي عنه. قال الزركشي والكرماني والبرماوي: كأنه سقط من الكتاب كلمة فيه أي بعد قوله "لا أرب لي" قال العيني مشيرًا إلى الكرماني: السقط كأنه كان في نسخته وهو موجود في النسخ انتهى.
والظاهر أن النسخ التي وقف عليها العيني ليست معتمدة فقد راجعت أصولاً معتمدة فلم أجدها مع ما هو مفهوم كلام الحافظ ابن حجر أو منطوقه في شرحه لهذا الموضع حيث قال قوله لا أرب لي: زاد في الفتن به فلو كانت ثابتة في الرواية هنا لما احتاج أن يقول زاد في الفتن به، بل قال البدر الدماميني: إن رواة البخاري متفقون على رواية هذا الحديث بدون هذه اللفظة والمعنى عليها في كلام المتكلم يقول: لا أرب لي بحذف الجار والمجرور لقيام القرينة انتهى.
وقول البرماوي كالكرماني وغيرهما وقد وجد ذلك في زمن الصحابة كان تعرض عليهم الصدقة فيأبون قبولها يشيرون به إلى نحو حكيم بن حزام إذ دعاه الصديق ﵁ ليعطيه عطاء فأبى وعرض عليه عمر بن الخطاب قسمه من الفيء فلم يقبله رواه الشيخان وغيرهما، ولكن هذا إنما كان لزهدهم وإعراضهم عن الدنيا مع قلة المال وكثرة الاحتياج ولم يكن لفيض المال وحينئذ فلا يستشهد به في هذا المقام.