(اتقوا النار ولو) كان الاتقاء (بشق تمرة) واحدة فإنه يفيد والشق بكسر الشين المعجمة أي نصفها أو جانبها فلا يحقر الإنسان ما يتصدق به وإن كان يسيرًا فإنه يستر المتصدق به من النار.
وبه قال:(حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة السجستاني المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي بكر بن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة ﵂ قالت: دخلت امرأة) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمها ولا ابنتيها (معها ابنتان) كائنتان (لها) في موضع رفع صفة لابنتان حال كونها (تسأل) عطاء (فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة) واحدة (فأعطيتها إياها) لم تردّها خائبة وهي تجد شيئًا امتثالاً لقوله ﷺ لها: "لا يرجع سائل من عندك ولو بشق تمرة". رواه البزار من حديث أبي هريرة (فقسمتها) السائلة (بين ابنتيها ولم تأكل منها) شيئًا لما جعل الله في قلوب الأمهات من الرحمة، (ثم قامت فخرجت فدخل النبي ﷺ علينا فأخبرته) بسكون الراء بشأن السائلة (فقال):
(من ابتلي) وفي رواية أبي ذر: فقال النبي ﷺ: من ابتلى (من هذه البنات) الإشارة إلى أمثال من ذكر الفاقة أو إلى جنس البنات مطلقًا (بشيء) من أحوالهن أو من أنفسهن وسماه ابتلاء لموضع الكراهة لهن (كن له سترًا) لم يقل أستارًا بالجمع لأن المراد الجنس المتناول للقليل والكثير أي حجابًا (من النار) ومناسبة الحديث للترجمة قال ابن المنير وتبعه كثير من الشراح من جهة أم البنتين لأنها لما قسمت التمرة بينهما فقد تصدقت على كل واحدة بشق تمرة. وقال النبي ﷺ في حقها كلامًا عامًّا تندرج فيه حيث قال:"من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترًا من النار" لكن تعقبه في المصابيح بأن المؤلّف لم ليدخل تحت عهدة الاستدلال بهذا الحديث بعينه على أن الصدقة بشق التمرة تقي من النار حتى يتكلف له مثل هذا فإنه عقد الباب للأمر باتقاء النار ولو بشق تمرة وللقليل من الصدقة وقد وفى بالأمرين معًا. فحديث ابن معقل فيه اتقاء النار ولو بشق تمرة، وحديث عائشة ﵂ فيه الأصدقة بالشيء القليل. كما أن في الأحاديث المتقدمة الإشارة إلى القليل من الصدقة فأي حاجة بعد ذلك إلى التكلف، وليس في حديث عائشة أنه ﷺ تعرض إلى فعلته من قسم التمرة بين البنتين، وإنما فيه الأخبار بأن الابتلاء بشيء من البنات سبب من الستر من النار على أن ما قاله