للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يحيى بن حماد عن أبي عوانة بهذا الإسناد عن عائشة قالت فقلت: (للنبي أينا أسرع بك لحوقًا) نصب على التمييز أي يدركك بالموت. وأينا: بضم التحتية المشددة بغير علامة التأنيث لقول سيبويه فيما نقله عنه الزمخشري في سورة لقمان أنها مثل كل في أن لحاق التاء لها غير فصيح وجملة أينا أسرع مبتدأ وخبر (قال): :

(أطولكن) بالرفع خبر مبتدأ محذوف دل عليه السؤال أي أسرعكن لحوقًا بي أطولكن (يدًا) نصب على التمييز وكان القياس أن يقول طولاكن بوزن فعلى لأن في مثله يجوز الإفراد والمطابقة لن أفعل التفضيل له (فأخذوا قصبة يذرعونها) بالذال المعجمة أي يقدّرونها بذراع كل واحدة كي يعلمن أيهن أطول جارحة، والضمير في قوله: فأخذوا ويذرعون راجع لمعنى الجمع لا لفظ جماعة النساء وإلا لقال: فأخذن قصبة يذرعنها أو عدل إليه تعظيمًا لشأنهن كقوله: وكانت من القانتين، وكقوله:

وإن شئت حرمت النساء سواكم

(فكانت سودة) بفتح السين بنت زمعة كما زاده ابن سعد (أطولهن يدًا) من طريق المساحة (فعلمنا بعد) أي بعد أن تقرر كون سودة أطولهن يدًا بالساحة (أنما) بفتح الهمزة لكونه في موضع المفعول لعلمنا (كانت طول يدها الصدقة) اسم كان وطول يدها خبر مقدم أي علمنا أنه لم يرد باليد العضو وبالطول طولها بل أراد العطاء وكثرته، فاليد هنا استعارة للصدقة والطول ترشيح لها لأنه ملائم للمستعار منه (وكانت أسرعنا لحوقًا به) ، (وكانت تحب الصدقة) واستشكل هذا بما ثبت من تقدم موت زينب وتأخر سودة بعدها. وأجاب ابن رشيد: بأن عائشة لا تعني سودة بقولها فعلمنا بعد أي بعد أن أخبرت عن سودة بالطول الحقيقي ولم تذكر سببًا للرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلا الموت فتعين الحمل على المجاز انتهى.

وحينئذٍ فالضمير في وكانت في الموضعين عائد على الزوجة التي عناها بقوله: أطولكن يدًا وإن كانت لم تذكر إذ هو متعين لقيام الدليل على أنها زينب بنت جحش كما في مسلم من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة بلفظ: فكانت أطولنا يدًا زينب بنت جحش لأنها كانت تعمل وتصدّق مع اتفاقهم على أنها أولهن موتًا، فتعين أن تكون هي المرادة وهذا من إضمار ما لا يصلح غيره كقوله تعالى: ﴿حتى توارت بالحجاب﴾ [ص: ٣٢] وعلى هذا فلم تكن سودة مرادة قطعًا وليس الضمير عائدًا عليها، لكن يعكر على هذا ما وقع من التصريح بسودة عند المؤلّف في تاريخه الصغير عن موسى بن إسماعيل بهذا السند بلفظ: فكانت سودة أسرعنا، وقول بعضهم: إنه يجمع بين روايتي البخاري ومسلم بأن زينب لم تكن حاضرة خطابه بذلك، فالأوّلية لسودة باعتبار من حضر إذ ذاك معارض بما رواه ابن حبان من رواية يحيى بن حماد أن نساء النبي اجتمعن عنده فلم يغادر منهن واحدة. وأجاب الحافظ ابن حجر بأنه يمكن أن يكون تفسيره بسودة من أبي عوانة لكون غيرها لم يتقدم له ذكر لأن ابن عيينة عن فراس قد خالفه في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>