واختلف هل هو على الفور أو على التراخي؟ فعند الشافعية على التراخي لأن الحج فرض سنة خمس كما جزم به الرافعي في كتاب الحج أو سنة ست كما صححه في السير، وتبعه عليه في الروضة ونقله في شرح المهذّب عن الأصحاب وعليه الجمهور لأنه نزل فيها قوله تعالى: ﴿وأتموا الحج والعمرة لله﴾ [البقرة: ١٩٦] وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض، ويؤيده ما أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عن علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي أنهم قرؤوا وأقيموا الحج، وقيل المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع وهو يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك وقد أخره ﷺ إلى سنة عشر من غير مانع فدلّ على التراخي، وإليه ذهب اللخمي وصاحب المقدمات والتلمساني من المالكية، وحكى ابن القصار عن مالك أنه على الفور، وتابعه العراقيون، وشهره صاحب الذخيرة وصاحب العدة وابن بزيزة، لكن القول بالتراخي مقيد بعدم خوف الفوات.
والاستطاعة الزاد والراحلة كما فسره،ﷺ وهو يؤيد قول الشافعي: إنها بالمال ولذلك أوجب الاستنابة على الزمن إذا وجد أجرة من ينوب عنه. وقال مالك: بالبدن فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطريق، وقال أبو حنيفة: بمجموع الأمرين ثم إن اليهود حين أمروا بالحج قالوا: ما وجب علينا؟ فنزل قوله تعالى:(﴿ومن كفر﴾) أي جحد فريضة الحج (﴿فإن الله غني عن العالمين﴾)[آل عمران: ٩٧] فلا يضره كفرهم ولا ينفعه إيمانهم.
قال البيضاوي: وضع كفر موضع من لم يحج تأكيد الوجوب به وتغليطًا على تاركه، ولذلك قال ﵊:"من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا أو نصرانيّا" وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر وإبرازه في الصورة الاسمية وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله في رقاب الناس وتعميم الحكم أولاً وتخصيصه ثانيًا فإنه كإيضاح بعد إبهام وتثنية وتكرير للمراد، وتسمية ترك الحج كفرًا من حيث أنه فعل الكفرة وذكر الاستغناء عنه بالبرهان والأشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس وأتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإقبال على الله انتهى.
وهذا أخذه من قول الزمخشري لكن عبارته: جعل ومن كفر عوضًا عن ومن لم يحج تغليطًا إلى آخر الحديث، واستشكله ابن المنير بأن تاركه لا يكفر بمجرد تركه فتعين حمله على تاركه جاحدًا لوجوبه فالكفر يرجع إلى الاعتقاد قال: والزمخشري سهل عليه ذلك لأنة يعتقد أن تارك الحج يخرج عن الإيمان ويخلد في النار، ويحتمل أن يكون قوله: ومن كفر استئناف وعيد للكافرين.