قرر في البيان، حتى أن الإمام الرازي وأتباعه جعلوا أن تفيد التعليل نفسها ولكنه مردود (والنعمة لك) بكسر النون والإحسان والمنة مطلقًا وبالنصب على الأشهر عطفًا على الحمد ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة خبر إن تقديره: إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك. وجوز ابن الأنباري أن يكون الموجود خبر المبتدأ وخبر أن هو المحذوف (والملك)، لك بضم الميم والنصب عطفًا على اسم أن وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة الخبر المتقدم، ويحتمل أن يكون تقديره: والملك كذلك (لا شريك لك) في ملكك. وروى النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة قال: كان من تلبية النبي ﷺ: لبيك إله الحق لبيك، وعند الحاكم عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي ﷺ وقف بعرفات فلما قال: لبيك اللهم لبيك قال إنما الخير خير الآخرة. وعند الدارقطني في العلل عن أنس بن مالك أنه ﷺ قال: لبيك حجًّا حقًا تعبدًا ورقًا. وزاد مسلم في حديث الباب قال نافع وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل، ولم يذكر البخاري هذه الزيادة فهي من أفراد مسلم خلافًا لما توهمه عبارة جامع الأصول والحافظ المنذري في مختصر السنن والنووي في شرح المهذّب.
وقوله: وسعديك هو من باب لبيك فيأتي فيه ما سبق من التثنية والإفراد ومعناه أسعدني إسعادًا فالمصدر فيه مضاف للفاعل وإن كان الأصل في معناه أسعدك بالإجابة إسعادًا بعد إسعاد على أن المصدر فيه مضاف للمفعول لاستحالة ذلك هنا، وقيل المعنى مساعدة على طاعتك بعد مساعدة فيكون من المضاف للمنصوب.
وقوله: والرغباء بفتح الراء والمد وبضمها مع القصر كالعلاء والعلاوة وبالفتح مع القصر ومعناه الطلب والمسألة يعني أنه تعالى هو المطلوب المسؤول منه فبيده جميع الأمور والعمل له سبحانه لأنه المستحق للعبادة وحده، وفيه حذف يحتمل أن تقديره والعمل إليك أي إليك القصد به والانتهاء به إليك لتجاري عليه.
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال: كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد: لبيك مرفوعًا ومرهوبًا إليك ذا النعماء والفضل الحسن، وهذا يدل على جواز الزيادة على تلبية رسول الله ﷺ بلا استحباب ولا كراهة، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، لكن قال ابن عبد البر قال مالك: أكره أن يزيد على تلبية رسول الله ﷺ وينبغي أن يفرد ما روي مرفوعًا ثم يقول الموقوف على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع. قال إمامنا الشافعي رحمة الله عليه فيما حكاه عنه البيهقي في المعرفة، ولا ضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ولا غيره من تعظيم الله ودعائه مع التلبية غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن رسول الله ﷺ من التلبية.