سنن النسائي، وسراقة وأبو طلحة عند أحمد، وأبو سعيد وقتادة عند الدارقطني، وابن أبي أوفى عند البزار والإفراد أي: وروى الإفراد ابن عمر وجابر في الصحيحين وابن عباس في مسلم، وجمع بين القولين بأنه ﷺ كان أولاً مفردًا ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك وأدخلها على الحج، فعمدة رواة الإفراد أول الإحرام وعمدة رواة القران آخره، وأما من روى أنه كان معتمرًا كابن عمر وعائشة وأبي موسى الأشعري وابن عباس في الصحيحين وعمران بن حصين في مسلم، فأراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع وقد انتفع بالاكتفاء بفعل واحد. ويؤيد ذلك أنه لم يعتمر في تلك السنة عمرة منفردة ولو جعلت حجته منفردة لكان غير معتمر في تلك السنة ولم يقل أحد أن الحج وحده أفضل من القران وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث. وقال إمامنا الشافعي ﵁ في كتاب اختلاف الحديث: معلوم في لغة العرب جوازًا إضافة الفعل إلى الأمر به كجواز إضافته إلى الفاعل كقولك: بنى فلان دارًا إذا أمر ببنائها، وضرب الأمير فلانًا! إذا أمر بضربه، ورجم النبي ﷺ ماعزًا، وقطع سارق رداء صفوان وإنما أمر بذلك ومثله كثير في الكلام. وكان أصحاب رسول الله ﷺ منهم القارن والمفرد والمتمتع وكل منهم يأخذ عنه أمر نسكه ويصدر عن فعله، فجاز أن تضاف إلى رسول الله ﷺ على معنى أنه أمر بها وأذن فيها اهـ.
وقد أجمع العلماء كما قاله النووي وغيره على جواز الأنواع الثلاثة: الإفراد والتمتع والقران، واختلفوا في أيها أفضل بحسب اختلافهم فيما فعله ﵊ في حجة الوداع. ومذهب الشافعية والمالكية أن الإفراد أفضل لأنه ﷺ اختاره أولاً، ولأن رواته أخص به ﷺ في هذه الحجة فإن منهم جابرًا وهو أحسنهم سياقًا لحجه ﵊، ومنهم ابن عمر وقد قال: كنت تحت ناقته ﵊ يمسني لعابها أسمعه يلبي بالحج، وعائشة وقربها منه ﵊ واطلاعها على باطن أمره وعلانيته كله معروف مع فقهها، وابن عباس وهو بالمحل المعروف من الفقه والفهم الثاقب، ولأن الخلفاء الراشدين بعد النبي ﷺ أفردوا الحج وواظبوا عليه وما وقع في الاختلاف عن علي وغيره فإنما فعلوه لبيان الجواز، وإنما أدخل النبي-ﷺ العمرة على الحج لبيان جواز الاعتمار في أشهر الحج، ثم إن الأفضل بعد الإفراد التمتع ثم القران. نعم القران أفضل من الإفراد للذي لا يعتمر في سنته عندنا، لكن صرح القاضي حسين والمتولي بترجيح الإفراد ولو لم يعتمر في تلك السنة وقال أحمد وآخرون: أفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران، واحتج لترجيح التمتع بأنه ﵊ تمناه بقوله: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة.
وأجاب الشافعية عن ذلك: بأن سببه أن من لم يكن معه هدي أمروا بجعلها عمرة فحصل لهم حزن حيث لم يكن معهم هدي فيوافقون النبي ﷺ في البقاء على الإحرام، فتأسف ﵊ حينئذ على فوات موافقتهم تطييبًا لنفوسهم ورغبة فيما فيه موافقتهم لا أن التمتع دائمًا أفضل قال القاضي حسين: ولأن ظاهر هذا الحديث غير مراد بالإجماع لأن ظاهره أن سوق الهدي يمنع