ثم أحرموا بحج، وفرقة بحج ولا هدي معهم، فأمرهم ﵊ أن يجعلوه عمرة وإلى هذا الأخير أشار بقوله:(فلما قدمنا مكة) أي قربنا منها لأنه كان بسرف (قال رسول الله ﷺ) لمن كان أهل بالحج مفردًا:
(اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة) افسخوه إلى العمرة لبيان مخالفة ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، وهذا خاص بهم في تلك السنة كما في حديث بلال عند أبي داود وقد مرّ التنبيه على ذلك (إلا من قلد الهدي)(طفنا بالبيت) أي فلما قدمنا طفنا، وللأصيلي: فطفنا بفاء العطف (وبالصفا والمروة وأتينا النساء) أي واقعناهنّ والمراد غير المتكلم لأن ابن عباس كان إذ ذاك لم يدرك الحلم وإنما حكي ذلك عن الصحابة، (ولبسنا الثياب) المخيطة (و) قد (قال)﵊: (من قلد الهدي فإنه لا يحل له) شيء من محظورات الإحرام (حتى يبلغ الهدي محله) بأن ينحره بمنى (ثم أمرنا)﵊(عشية) يوم (التروية) بعد الظهر ثامن من ذي الحجة (أن نهل بالحج)، من مكة (فإذا فرغنا من المناسك) من الوقوف بعرفة والبيت بمزدلفة والرمي والحلق (جئنا فطفنا بالبيت) طواف الإفاضة (وبالصفا والمروة فقد تم حجنا) وللكشميهني: وقد بالواو بدل
الفاء ومن قوله فقد تم حجنا إلى آخر الحديث موقوف على ابن عباس ومن أوله إليه مرفوع (وعلينا الهدي)(كما قال الله تعالى: ﴿فما استيسر من الهدي﴾ [البقرة: ١٩٦]، أي فعليه دم استيسره بسبب التمتع فهو دم جبران يذبحه إذا أحرم بالحج لأنه حينئذ يصير متمتعًا بالعمرة إلى الحج ولا يأكل منه وقال أبو حنيفة: أنه دم نسك فهو كالأضحية (﴿فمن لم يجد﴾) أي الهدي (﴿فصيام ثلاثة أيام في الحج﴾) في أيام الاشتغال به بعد الإحرام وقبل التحلل، ولا يجوز تقديمها على الإحرام بالحج لأنها عبادة بدنية فلا تقدم على وقتها، ويستحب قبل يوم عرفة لأنه يستحب للحاج فطره. وقال أبو حنيفة: في أشهره بين الإحرامين والأحب أن يصوم سابع ذي الحجة وثامنه وتاسعه ولا يجوز يوم النحر وأيام التشريق عند الأكثر. وقال المالكية: يصوم أيام التشريق أو ثلاثة بعدها لقوله تعالى: (﴿فصيام ثلاثة أيام في الحج﴾) أي في وقته وذو الحجة كله وقت عندهم. ولنا: أنه نهى عن صوم
أيام التشريق ولأن ما بعدها ليس من وقت الحج عندنا (﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ إلى أمصاركم)[البقرة: ١٩٦] وهذه تفسير من ابن عباس للرجوع، وإذا نفرتم وفرغتم من أعماله لأن قوله تعالى:(﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾) مسبوق بقوله تعالى: (﴿ثلاثة أيام في الحج﴾) فتنصرف إليه، وكأنه بالفراغ رجع عما كان مقبلاً عليه من الأعمال وهذا مذهب أبي حنيفة. والقول الثاني للشافعي وإذا قلنا بالأول فلو توطن مكة بعد فراغه من الحج صام بها وإن لم يتوطنها لم يجز صومه بها ولا يجوز صومها بالطريق إذا توجه إلى وطنه لأنه تقديم للعبادة البدنية على وقتها وإن قلنا بالثاني فلو أخره حتى رجع إلى وطنه جاز بل هو أفضل خروجًا من الخلاف.
(الشاة تجزي) بفتح أوله من غير همز أي تكفي لدم التمتع والجملة حالية وقعت بدون واو نحو كلمته فوه إلى فيّ وهذا تفسير ابن عباس، وفي بعض الأصول تجزئ بضم أوله وهمز آخره (فجمعوا