وقال التوربشتي: وجه تسميتها بالبلدة وهي تقع على سائر البلدان أنها البلدة الجامعة للخير المستحقة أن تسمى بهذا الاسم لتفوّقها سائر مسميات أجناسها تفوق الكعبة في تسميتها بالبيت سائر مسميات أجناسها حتى كأنها هي المحل المستحق للإقامة بها.
وقال ابن جني: من عادة العرب أن يوقعوا على الشيء الذي يخصونه بالمدح اسم الجنس ألا تراهم كيف سموا الكعبة بالبيت وكتاب سيبويه بالكتاب.
(قلنا بلى: قال)﵊(فإن دماءكم وأموالكم) زاد في الرواية السابقة: وأعراضكم (عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم) بجر يوم من غير تنوين ويجوز فتحه وكسره مع التنوين والأول هو المروي، وشبه الأموال والدماء والأعراض في الحرمة باليوم وبالشهر وبالبلد لاشتهار الحرمة فيها عندهم وإلا فالشبه إنما يكون دون المشبه به، ولهذا قدم السؤال عنها مع شهرتها لأن تحريمها أثبت في نفوسهم إذ هي عادة سلفهم وتحريم الشرع طارئ وحينئذٍ فإنما شبه بما هو أعلى منه باعتبار ما هو مقرر عندهم وقد سبق هذا في باب العلم وذكر هنا لبعد العهد به. (ألا هل بلغت؟)(قالوا نعم) بلغت (قال:)﵊(اللهم اشهد) أني أدّيت ما أوجبته عليّ من التبليغ (فليبلغ الشاهد) الحاضر هذا المجلس (الغائب) عنه ما ذكر فيه أو جميع الأحكام التي سمعها، ولأبي ذر: وليبلغ بالواو بدل الفاء (فرب مبلغ) بفتح اللام المشددة اسم مفعول بلغه كلامي بواسطة (أوعى) احفظ وافهم لمعنى كلامي (من سامع) سمعه مني.
قال النووي: وفيه تصريح بوجوب نقل العلم على الكفاية وإشاعة السنن والأحكام: وقال المهلب: فيه إنه يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدم إلا أن ذلك يكون في الأقل لأن رب موضوعة للتقليل اهـ.
وفيه شيء، فقد قال ابن هشام في مغنيه: وليس معناه التقليل دائمًا خلافًا للأكثرين ولا التكثير دائمًا خلافًا لابن درستويه وجماعة بل ترد للتكثير كثيرًا وللتقليل قليلاً، فمن الأول ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الحجر: ٢] وفي الحديث: يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة. وقال الشاعر:
فيارب يوم قد لهوت وليلة … بآنسة كأنها خط تمثال
وتوجيه ذلك أن الآية والحديث مسوقان للتخويف والبيت مسوق للافتخار ولا يناسب واحد منها التقليل، ومن الثاني قول أبي طالب في النبي ﷺ: