فإن قلت: الخبر محذوف! قلت: حذف الخبر لا يخلو إما أن يكون جوازًا أو وجوبًا، فالأوّل فيما إذا قامت قرينة كوقوعه في جواب الاستفهام عن المخبر به أو بعد إذا الفجائية أو يكون الخبر فعل قول وليس شيء من ذلك هاهنا، والثاني فيما إذا التزم في موضعه غيره وليس هذا أيضًا كذلك، فتعين بطلان دعوى الرفع.
(يرفع) برفع يرفع في الفرع والتلاوة بالكسر للساكنين وأصلحها في اليونينية بكشط الرفع وإثبات الكسر ﴿الله الذين آمنوا منكم﴾ بالنصر وحسن الذكر في الدنيا وإيوائكم غرف الجنان في الآخرة ﴿والذين أُوتوا العلم درجات﴾ نصب بالكسر مفعول يرفع أي، ويرفع العلماء منكم خاصة درجات بما جمعوا من العلم والعمل. قال ابن عباس: درجات العلماء فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما بين الدرجتين خمسمائة عام ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير﴾ [المجادلة: ١١] تهديد لمن لم يمتثل الأمر أو استكرهه.
(وقوله ﷿: رب) وللأصيلي: وقل رب وَقُلْ رَبِّ ﴿زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤] أي سله الزيادة منه، واكتفى المصنف في بيان فضيلة العلم بهاتين الآيتين، لأن القرآن العظيم أعظم الأدلة أو لأنّه لم يقع له حديث من هذا النوع على شرطه أو اخترمته المنيّة قبل أن يلحق بالباب حديثًا يناسبه لأنه كتب الأبواب والتراجم، ثم كان يلحق فيها ما يناسبها من الحديث على شرطه فلم يقع له شيء من ذلك، ولو لم يكن من فضيلة العلم إلا آية ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٨] فبدأ الله تعالى بنفسه وثنى بملائكته وثلث بأهل العلم وناهيك بهذا شرفًا، والعلماء ورثة الأنبيباء كما ثبت في الحديث، وإذا كان لا رتبة فوق النبوّة فلا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة، وغاية العلم العمل لأنه ثمرته وفائدة العمر وزاد الآخرة فمن ظفر به سعد ومن فاته خسر، فإذًا العلم أفضل من العمل به لأن شرفه بشرف معلومه، والعمل بلا علم لا يسمى عملاً بل هو ردّ وباطل، وينقسم العلم بانقسام المعلومات وهي لا تحصى.
فمنها: الظاهر والمراد به العلم الشرعي المقيد بما يلزم المكلف في أمر دينه عبادة ومعاملة وهو يدور على التفسير والفقه والحديث، وقد عدّ الشيخ عز الدين بن عبد السلام تعلم النحو وحفظ غريب الكتاب والسُّنَّة وتدوين أصول الفقه من البدع الواجبة.
ومنها: علم الباطن وهو نوعان. الأوّل: علم المعاملة، وهو فرض عين في فتوى علماء الآخرة فالمعرض عنه هالك بسطوة مالك الملوك في الآخرة، كما أن المعرض عن الأعمال الظاهرة هالك بسيف سلاطين الدنيا بحكم فتوى فقهاء الدنيا، وحقيقته النظر في تصفية القلب وتهذيب النفس باتّقاء الأخلاق الذميمة التي ذمّها الشارع كالرياء والعجب والغش وحب العلو والثناء والفخر والطمع، ليتصف بالأخلاق الحميدة المحمدية كالإخلاص والشكر والصبر والزهد والتقوى والقناعة، ليصلح عند أحكامه ذلك لعلمه بعلمه ليرث ما لم يعلم، فعلمه بلا عمل وسيلة بلا غاية وعكسه جناية وإتقانهما بلا ورع كلفة بلا أجرة، فأهم الأمور زهد واستقامة لينتفع بعلمه ومحمله، وسأشير