للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ويواعد أصحابه موعدًا فإذا نحر عنه حل قالوا: وإذا قامت الدلالة على أن شرعيته للحابس مطلقًا استفيد جوازه لمن سرقت نفقته ولا يقدر على المشي.

وقال مالك والشافعي وأحمد: لا إحصار إلا بالعدوّ لأن الآية وردت لبيان حكم انحصاره وأصحابه وكان بالعدوّ، وقال في سياق الآية: فإذا أمنتم فعلم أن شرعية الإحلال في العدوّ كانت لتحصيل الأمن منه وبالإحلال لا ينجو من المرض فلا يكون الإحصار بالمرض في معناه فلا يكون النص الوارد في العدو واردًا في المرض فلا يلحق به دلالة ولا قياسًا لأن شرعية التحلل قبل أداء الأفعال بعد الشروع في الإحرام على خلاف القياس فلا يقاس عليه.

وفي الموطأ عن سالم عن أبيه قال: من حبس من دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت، وأحتج الحنفية بأن الإحصار هو المنع والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبأن إجماع أهل اللغة على أن مدلول لفظ الإحصار بالعمرة المنع الكائن بالمرض، والآية وردت بذلك اللفظ، وبحث فيه المحقق الكمال بن الهمام بأنه ظاهر في أن الإحصار خاص بالمرض والمحصر خاص بالعدوّ. ويحتمل أن يراد كون المنع بالمرض من ما صدقات الإحصار فإن أراد الأول ورد عليه كون الآية لبيان حكم الحادثة التي وقعت للرسول وأصحابه ، واحتاج إلى جواب صاحب الأسرار وصاحبه كون النص الوارد لبيان حكم حادثة قد ينتظمها لفظًا، وقد ينتظم غيرها مما يعرف بحكمها دلالة، وهذه الآية كذلك إذ يعلم منه حكم من العدو بطريق الأولى لأن منع العدو حسي لا يتمكن معه من المضي بخلافه في المرض إذ يمكن بالمحمل والمركب والخدم فإذا جاز التحلل مع هذا فمع ذلك أولى.

وفي نهاية ابن الأثير يقال أحصره المرض أو السلطان إذا منعه من مقصده فهو محصر وحصره إذا حبسه فهو محصور، وقال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] والمراد منعهم الاشتغال بالجهاد وهو أمر راجع إلى العدوّ أو المراد أهل الصفة منعهم تعلم القرآن أو شدة

الحاجة والجهد عن الضرب في الأرض للتكسب وليس هو بالمرض اهـ.

وزاد أبو ذر عن المستملي (قال أبو عبد الله): أي المؤلّف على عادته في ذكر تفسير ما يناسب ما هو بصدده (حصورًا) في قوله تعالى في يحيى بن زكريا ﴿وحصورًا﴾ [آل عمران: ٣٩] معناه (لا يأتي النساء) وهو بمعنى محصور لأنه منع مما يكون من الرجال وقد ورد فعول بمعنى مفعول كثيرًا، وهذا التفسير نقله الطبري عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد وليس المراد أنه لا يأتي النساء لأنه كان هيوبًا لهن أو لما ذكر له لأن هذه نقيصة لا تليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل معناه أنه معصوم عن الفواحش والقاذورات والملاهي، روي أنه مرّ في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال: ما للعب خلقت.

<<  <  ج: ص:  >  >>