وبالسند قال:(حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والصاد المعجمة واللام الزهراني قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبد الله بن أبي قتادة قال: انطلق أبي) أبو قتادة الحرث بن ربعي الأنصاري (عام الحديبية) في عمرتها وهذا أصح من رواية الواحدي من وجه آخر عن عبد الله بن أبي قتادة أن ذلك كان في عمرة القضية (فأحرم أصحابه) أي أصحاب أبي قتادة (ولم يحرم) أبو قتادة لاحتمال أنه لم يقصد نسكًا إذ يجوز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجًّا ولا عمرة كما هو مذهب الشافعية، وأما على مذهب الأئمة الثلاثة القائلين بوجوب الإحرام فاحتجوا له بأن أبا قتادة إنما لم يحرم لأنه ﷺ كان أرسله إلى جهة أخرى ليكشف أمر عدوّ في طائفة من الصحابة كما قال:(وحدث النبي ﷺ) بضم الحاء وكسر الدال المشددة مبنيًا للمفعول (أن عدوًا) له من المشركين (يغزوه) زاد في حديث الباب اللاحق بغيقة فتوجّهنا نحوهم، أي بأمره ﵊.
قلت: لكن يعكر على هذا أن في حديث سعيد بن منصور من طريق المطلب عن أبي قتادة أن خبر العدو أتاهم حين بلوغهم الروحاء ومنها وجههم النبي ﷺ والروحاء على أربعة وثلاثين ميلاً من ذي الحليفة ميقات إحرامهم، فهذا صريح في أن خبر العدو أتاهم بعد مجاوزة الميقات. ويؤيده قوله في حديث الباب اللاحق فأحرم أصحابه ولم أحرم فأنبئنا بعدو بغيقة فتوجهنا فعبر بالفاء المقتضية لتأخير الأنباء عن الإحرام وحينئذ فلا دلالة فيه على ما ذكر.
وقال الأثرم: إنما جاز لأبي قتادة ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة لأني وجدت في رواية من حديث أبي سعيد فيها خرجنا مع رسول الله -صلّى الله عليه وسل- فأحرمنا فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة وكان النبي ﷺ بعثه في وجه الحديث اهـ.
وفي صحيح ابن حبان والبزار والطحاوي من طريق عياض بن عبد الله عن أبي سعيد قال: بعث رسول الله ﷺ أبا قتادة على الصدقة وخرج رسول الله ﷺ وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا بعسفان فإذا هم بحمار وحش قال: وجاء أبو قتادة وهو حل الحديث. وهذا ظاهره يخالف ما في البخاري على ما لا يخفى لأن قوله: بعث يقتضي أنه لم يكن -خرج مع النبي ﷺ من المدينة، لكن يحتمل أنه ﷺ ومن معه لحقوا أبا قتادة في بعض الطريق قبل الروحاء فلما بلغوها وأتاهم خبر العدو وجهه النبي ﷺ في جماعة لكشف الخبر.
(فانطلق النبي ﷺ) لمقصده الذي خرج له ولحق أبو قتادة وأصحابه به ﵊ قال أبو قتادة: (فبينما) بالميم وللكشميهي: فبينا (أنا مع أصحابي) والذي في الفرع وأصله: فبينا أبي مع أصحابه فيكون من قول ابن أبي قتادة حال كونهم (يضحك بعضم إلى بعض) أي منتهيًا أو ناظرًا إليه، ويضحك فعل مضارع كذا لأبي الوقت ولغيره فضحك بالفاء بدل الياء والفعل ماض، وفي