ذلك فحكى كل منهما ما رآه، وستر الرأس يدل على أنه دخل غير محرم، لكن قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون محرمًا وغطى رأسه لعذر تعقب بتصريح جابر وغيره بأنه لم يكن محرمًا. واستشكل في المجموع ذلك لأن مذهب الشافعي أن مكة فتحت صلحًا خلافًا لأبي حنيفة في قوله إنها فتحت عنوة وحينئذ فلا خوف، ثم أجاب بأنه ﵊ صالح أبا سفيان وكان لا يأمن غدر أهل مكة فدخلها صلحًا متأهبًا للقتال إن غدروا (فلما نزعه) أي فلما نزع ﵊ المغفر (جاء رجل) ولأبي ذر عن الكشميهني: جاءه رجل وهو أبو برزة نضلة بن عبيد الأسلمي كما جزم به الفاكهاني في شرح العمدة والكرماني. قال البرماوي: وكذا ذكره ابن طاهر وغيره وقيل سعيد بن حريث، (فقال) يا رسول الله (إن من ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة بعدها لام وكان اسمه في الجاهلية عبد العزى، فلما أسلم سمي عبد الله وليس اسمه هلالاً بل هو اسم أخيه واسم خطل عبد مناف، وخطل لقب له لأن أحد لحييه كان أنقص من الآخر فظهر أنه مصروف وهو من بني تيم بن فهر بن غالب ومقول قول الرجل هو قوله (متعلق بأستار الكعبة ئقال): ﵊:
(اقتلوه) فقتله أبو برزة وشاركه فيه سعيد بن حريث، وقيل القاتل له سعيد بن ذؤيب، وقيل الزبير بن العوّام وكان قتله بين المقام وزمزم.
واستدلّ به القاضي عياض في الشفاء وغيره من المالكية على قتل من آذى النبي ﷺ أو تنقصه ولا تقبل له توبة لأن ابن خطل كان يقول الشعر يهجو به النبي ﷺ ويأمر جاريتيه أن تغنيا به، ولا دلالة في ذلك أصلاً لأنه إنما قتل ولم يستتب للكفر والزيادة فيه بالأذى مع ما اجتمع فيه من موجبات القتل ولأنه اتخذ الأذى ديدنًا فلم يتحتم أن سبب قتله الذم فلا يقاس عليه من فرط منه فرطة وقلنا بكفره بها وتاب ورجع إلى الإسلام فالفرق واضح.
وفي كتابي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية مزيد بحث لذلك وإنما أمر ﵊ بقتل ابن خطل لأنه كان مسلمًا، فبعثه رسول الله ﷺ مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى يخدمه وكان مسلمًا فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركًا، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله ﷺ فكان ممن أهدر دمه يوم الفتح.
قال الخطابي: قتله بما جناه في الإسلام. وقال ابن عبد البر: قودا من دم المسلم الذي قتله ثم ارتد، واستدلّ بقصته على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة. وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وتأول الحديث بأنه كان في الساعة التي أبيحت له. وأجاب أصحابنا بأنه إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وقتل ابن خطل بعد ذلك.
وتعقب بما سبق أن الساعة التي أحلت له ما بين أوّل النهار ودخول وقت العصر وقتل ابن