احتياطًا ليحصل الأمن من توهم تغييره، هذه في القوة والصحة كالمناولة المقترنة بالإجازة كما مشى عليه المؤلف حيث قال: ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، لكن قد رجح قوم منهم الخطيب المناولة عليها لحصول المشافهة فيها بالإذن دون المكاتبة، وهذا وإن كان مرجحًا فالمكاتبة أيضًا تترجح بكون الكتابة لأجل الطالب، وإذا أدى المكاتب ما تحمله من ذلك فبأي صيغة يؤدّي؟ جوّز قوم منهم الليث بن سعد ومنصور بن المعتمر إطلاق أخبرنا وحدّثنا، والجمهور على اشتراط التقييد بالكتابة فيقول: حدّثنا أو أخبرنا فلان مكاتبة أو كتابة أو نحوهما، فإن عرت الكتابة عن الإجازة فالمشهور تسويغ الرواية بها.
(وقال أنس) وللأصيلي أنس بن مالك كما هو موصول عند المؤلف في حديث طويل في فضائل القرآن (نسخ) أي كتب (عثمان المصاحف) أي أمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام أن ينسخوها. وللأصيلي عثمان بن عفان وهو أحد العشرة المتوفى شهيد الدار يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وهو ابن تسعين سنة، وكانت خلافته اثنتي عشر سنة ﵁. (فبعث بها) أي أرسل عثمان بالمصاحف (إلى الآفاق) مصحفًا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وأمسك بالمدينة واحدًا. والمشهور أنها كانت خمسة. وقال الداني أكثر الروايات على أنها أربعة. قلت: وفيما جمعته في فنون القراءات الأربع عشرة مزيد لذلك فليراجع.
ودلالة هذا الحديث على تجويز الرواية بالمكاتبة بيِّن غير خفي، لأن عثمان أمرهم بالاعتماد على ما في تلك المصاحف ومخالفة ما عداها. قال ابن المنير: والمستفاد من بعثه المصاحف إنما هو ثبوت إسناد صورة المكتوب فيها إلى عثمان لا أصل ثبوت القرآن فإنه متواتر عندهم.
(ورأى عبد الله بن عمر) بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن القرشي المدني العدوي، المتوفى سنة إحدى وسبعين ومائة، أو هو عمرو بن العاص، وبالأوّل جزم الكرماني وغيره وهو موافق لجميع نسخ البخاري حيث ضمت العين من عمر وسقطت الواو، وبالثاني قال الحافظ ابن حجر معلّلاً بقرينة تقديمه في الذكر على يحيى بن سعيد لأن يحيى أكبر من العمري، وبأنه وجد في كتاب الوصية لابن مندة من طريق البخاري بسند صحيح إلى أبي عبد الله الحبلي بضم المهملة والموحدة أنه أتى عبد الله بكتاب فيه أحاديث فقال: انظر هذا الكتاب فما عرفته منه اتركه وما لم تعرفه امحه. قال: وعبد الله يحتمل أن يكون ابن عمر بن الخطاب، فإن الحبلي سمع منه، ويحتمل أن يكون ابن عمرو بن العاص فإن الحبلي مشهور بالرواية عنه. وتعقبه العيني بأن التقديم لا يستلزم التعيين، فمن ادّعى ذلك فعليه بيان اللازمة، وبأن قول الحبلي أنه أتى عبد الله لا يدل بحسب الاصطلاح إلا على عبد الله بن مسعود، وبأن عمرو بن العاص بالواو وهي ساقطة في جميع نسخ البخاري. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأنه لا يلزم من انتفاء الملازمة أن لا تثبت الملازمة إذا