فإن قيل: ما منعكم أن تحملوه على ظاهر المعنى؟ قلنا: لأنه ذكر على سبيل المنّ على الصوّام وإتمام النعمة عليهم فيما أمروا به وندبوا إليه حتى صار الجنان في هذا الشهر كأن أبوابها فتحت ونعيمها هيئ والنيران كأن أبوابها غلقت وأنكالها عطلت، وإذا ذهبنا إلى الظاهر لم تقع المنة موقعها وتخلّوا عن الفائدة لأن الإنسان ما دام في هذه الدار فإنه غير ميسر لدخول إحدى الدارين، ورجح القرطبي حمله على ظاهره إذ لا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره. قال الطيبي: فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين وأنه من الله بمنزلة عظيمة ويؤيده حديث عمر أن الجنة لتزخرف لرمضان الحديث.
(وسلسلت الشياطين) أي شدت بالسلاسل حقيقة والمراد مسترقو السمع منهم وإن تسلسلهم يقع في أيام رمضان دون لياليه لأنهم كانوا منعوا زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ أو هو مجاز على العموم، والمراد أنهم لا يصلون من إفساد المسلمين إلى ما يصلون إليه في غيره لاشتغالهم فيه بالصيام الذي فيه قمع الشيطان وإن وقع شيء من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى غيره وهذا أمر محسوس.
وبه قال:(حدّثنا يحيى بن بكير) القعنبي (قال: حدثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم، أن) ولأبوي ذر والوقت: سالم بن عبد الله بن عمر أن (ابن عمر ﵄ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول):
(إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا). الضمير راجع إلى الهلال وإن لم يسبق له ذكر لدلالة السياق عليه، ويأتي التصريح به إن شاء الله تعالى في الرواية المعلقة في هذا الباب وبعده في الموصول (فإن غمّ عليكم) بضم الغين المعجمة وتشديد الميم مبنيًّا للمفعول من غممت الشيء إذا غطيته وفيه ضمير الهلال أي غطي الهلال بغيم (فاقدروا له) بهمزة وصل وضم الدال ويجوز كسرها أي قدّروا له تمام العدد ثلاثين يومًا لأنه من التقدير.
(وقال غيره) أي غير يحيى بن بكير وأراد به عبد الله بن صالح كاتب الليث (عن الليث): بن سعد قال: (حدثني) بالإفراد (عقيل) هو ابن خالد مما رواه الإسماعيلي (ويونس) بن يزيد مما أورده الذهلي في الزهريات أن رسول الله ﷺ قال: (لهلال رمضان) إذا رأيتموه فصوموا و (إذا رأيتموه فأفطروا) ..