واختلف في دلالة كان على التكرار وصحح ابن الحاجب أنها تقتضيه قال: وهذا استفدناه من قولهم كان حاتم يقري الضيف، وصحح الإمام فخر الدين في المحصول أنها لا تقتضيه لا لغة ولا عرفًا. وقال النووي في شرح مسلم: إنه المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين، وذكر ابن دقيق العيد أنها تقتضيه عرفًا اهـ.
قال في المصابيح: وأما الثالث فلأن أسماء المشهور إذا ذكرت غير مضاف إليها لفظ شهر كان العمل عامًا لجميعها لا تقول سرت المحرم وقد سرت بعضًا منه ولا تقول صمت رمضان وإنما صمت بعضه، فإن أضفت الشهر إليه لم يلزم التعميم هذا مذهب سيبويه وتبعه عليه غير واحد. قال الصفار: ولم يخالف في ذلك إلا الزجاج، ويمكن أن يقال إن قولها وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان لا ينفي صيامه لجميعه، فإن المراد أكثرية صيامه فيه على صيامه في غيره من المشهور التي لم يفرض فيها الصوم وذلك صادق بصومه لكله لأنه إذا صامه جميعه صدق أن الصوم الذي أوقعه فيه أكثر من الصوم الذي أوقعه في غيره ضرورة أنه لم يصم غيره مما عدا رمضان كاملاً.
وأما قولها: لم يستكمل صيام شهر إلا رمضان فيحمل على الحذف أي إلا رمضان وشعبان بدليل قولها في الطريق الأخرى فإنه كان يصوم شعبان كله وحذف المعطوف والعاطف جميعًا ليس بعزيز كلامهم ففي التنزيل ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل﴾ [الحديد: ١٠] أي ومن أنفق من بعده وفيه سرابيل تقيكم الحر أي والبرد. قال: ويمكن الجمع بطريق أخرى وهي أن يكون قولها وكان يصوم شعبان كله محمولاً على حذف أداة الاستثناء والمستثنى أي إلا قليلاً منه، ويدل عليه حديث عبد الرزاق بلفظ: ما رأيت رسول الله ﷺ أكثر صيامًا منه في شعبان فإنه كان يصومه كله إلا قليلاً.
فإن قلت: قد ورد في حديث مسلم أن أفضل الصيام بعد رمضان المحرم فكيف أكثر ﵊ منه في شعبان دون المحرم؟ أجيب: باحتمال أنه ﷺ لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر حياته قبل التمكن من صومه أو لعله كان يعرض له فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه.
(وكان)﵊(يقول)(خذوا من العمل ما تطيقون) المداومة عليه بلا ضرر (فإن الله)﷿(لا يمل) بفتح الياء التحتية والميم. قال النووي: الملل السآمة وهو بالمعنى المتعاف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويله، فقال المحققون: أي لا يعاملكم معاملة الملل فيقطع عنكم ثوابه وفضله ورحمته (حتى تملوا). بفتح الأول والثاني أي تقطعوا أعمالكم وقال الكرماني هو إطلاق مجازي عن ترك الجزاء وقال بعضهم: معناه لا تتكلفوا حتى تملوا فإن الله ﷻ منزه عن الملالة ولكنكم تملون قبول فيض الرحمة. (وأحب الصلاة إلى النبي ﷺ) ولابن عساكر: وأحب الصلاة إلى الله (ما دووم عليه) بضم الدال وسكون الواو الأولى وكسر الثانية مبنيًا للمفعول من الداومة من باب الفاعلة، وفي نسخة ما ديم مبنيًا للمفعول أيضًا من دام والأول من