كما في الفتح: لعينيك بالتثنية (عليك حظًا) بالظاء المعجمة بدل القاف أي نصيبًا من النوم (وإن لنفسك وأهلك عليك حظًا) بالظاء المعجمة أيضًا وحق النفس الرفق بها والأهل في الكسب والقيام بنفقتهم ولا يدئب نفسه بحيث يضعف عن القيام بما يجب من ذلك (قال) عبد الله (إني لأقوى لذلك) أي لسرد الصوم دائمًا ولابن عساكر إني لأقوى ذلك كذا في اليونينية بإسقاط حرف الجر وفي نسخة على ذلك (قال): ﵊: (فصم صيام داود ﵇ (قال) عبد الله يا رسول الله (وكيف)؟ أي صيام داود كما في مسلم (قال): ﵊(كان يصوم يومًا ويفطر يومًا ولا يفر) أي لا يهرب (إذا لاقى) العدو أشار به إلى أن الصوم على هذا الوجه لا ينهك البدن بحيث يضعف عن لقاء العدو بل يستعان بفطر يوم على صيام يوم فلا يضعف عن الجهاد وغيره من الحقوق. (قال) عبد الله (من لي بهذه) الخصلة الأخيرة وهي عدم الفرار أي من يتكفل لي بها (يا نبي الله. قال عطاء): هو ابن أبي رباح بالإسناد السابق (لا أدري كيف ذكر) بفتحات (صيام الأبد) أي لا أحفظ كيف جاء ذكر صيام الأبد في هذه القصة إلا أني أحفظ أنه (قال النبي ﷺ): (لا صام من صام الأبد مرتين) استدلّ به من قال بكراهة صوم الدهر لأن قوله: لا صام يحتمل الدعاء ويحتمل الخبر.
قال ابن العربي: إن كان معناه الدعاء فيا ويح من أصابه دعاء النبي ﷺ، وإن كان معناه الخبر فيا ويح من أخبر عنه ﷺ أنه لم يصم وإذا لم يصم شرعًا فلم يكتب له ثواب لوجوب صدق قوله ﵊ لأنه نفى عنه الصوم وقد نفى عنه الفضل كما تقدم فكيف يطلب الفضل فيما نفاه ﷺ، وأجيب بأجوبة:
أحدها: أنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيد والتشريق. قال النووي: وبهذا أجابت عائشة اهـ.
وهو اختيار ابن المنذر وطائفة، وتعقب بأنه ﵊ قال جوابًا لمن سأله عن صوم الدهر لا صام ولا أفطر وهو يؤذن بأنه لا أجر ولا إثم، ومن صام الأيام المحرمة لا يقال فيه ذلك لأنه عند من أجاز صوم الدهر إلا الأيام المحرمة يكون قد فعل مستحبًا وحرامًا، وأيضًا فإن الأيام المحرمة مستثناة في الشرع غير قابلة للصوم شرعًا فهي بمنزلة الليل وأيام الحيض فلم تدخل في السؤال عند من علم بتحريمها ولا يصلح الجواب بقوله: لا صام ولا أفطر لمن لم يعلم بتحريمها قاله في فتح الباري.
الثاني: أنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقًا ويؤيده أن النهي كان خطابًا لعبد الله بن عمرو بن العاصي، وقد ذكر مسلم عنه أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة.
الثالث: أن معناه الخبر عن كونه لم يجد من المشقّة ما يجد غيره لأنه إذا اعتاد ذلك لم يجد في صومه مشقة، وتعقبه الطيبي بأنه مخالف لسياق الحديث ألا تراه كيف نهاه أولاً عن صيام الدهر كله ثم حثه على صوم داود ﵊ والأولى أن يكون خبرًا عن أنه لم يمتثل أمر الشرع.