أحمد بن عبد الودود بن سمجون، قال وعياض أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري، قال أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني، قال حدّثنا الحافظ عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكناني الدمشقي، حدّثنا أبو عصمة نوح بن الفرغاني، قال: سمعت أبا المظفر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن قتّ الخزرجي وأبا بكر محمد بن عيسى البخاري، قال سمعنا أبا ذر عمار بن محمد بن مخلد التميمي يقول: سمعت أبا المظفر محمد بن أحمد بن حامد بن الفضل البخاري يقول: "لما عزل أبو العباس الوليد بن إبراهيم بن زيد الهمداني عن قضاء الريّ ورد بخارى سنة ثمان عشرة وثلاثمائة لتجديد مودة كانت بينه وبين أبي الفضل البلعمي فنزل في جوارنا، فحملني معلمي أبر إبراهيم إسحق بن إبراهيم الختلي إليه فقال له أسالك أن تحدث هذا الصبي عن مشايخك، فقال ما لي سماع، قال فكيف وأنت فقيه فما هذا، قال لأني لما بلغت مبلغ الرجال تاقت نفسي إلى معرفة الحديث ورواية الأخبار وسماعها، فقصدت محمد بن إسماعيل البخاري ببخارى صاحب التاريخ والمنظور إليه في علم الحديث، وأعلمته مرادي وسألته الإقبال على ذلك، فقال لي يا بني لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده والوقوف على مقاديره، فقلت عرّفني رحمك الله حدود ما قصدتك له ومقادير ما سألتك عنه، فقال لي: اعلم أن الرجل لا يصير محدّثًا كاملاً في حديثه إلاّ بعد أن يكتب أربعًا مع أربع، كأربع مثل أربع، في أربع عند أربع، بأربع على أربع، عن أربع لأربع، وكل هذه الرباعيات لا تتم إلا بأربع مع أربع، فإذا تمت له كلها كان عليه أربع، وابتلي بأربع، فإذا صبر على ذلك أكرمه الله تعالى في الدنيا بأربع، وأثابه في الآخرة بأربع. قلت له فسّر لي رحمك الله ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات من قلب صافٍ بشرح كافٍ وبيان شافٍ طلبًا للأجر الوافي، فقال: نعم، الأربعة التي يحتاج إلى كتبها هي أخبار الرسول ﷺ وشرائعه والصحابة ﵃ ومقاديرهم والتابعين وأحوالهم وسائر العلماء وتواريخهم مع أسماء رجالهم وكناهم وأمكنتهم وأزمنتهم، كالتحميد مع الخطب، والدعاء مع التوسّل، والبسملة مع السورة، والتكبير مع الصلوات. مثل المسندات والمرسلات والموقوفات والمقطوعات، في صغره وفي إدراكه وفي شبابه وفي كهولته، عند فراغه وعند شغله وعند فقره وعند غناه، بالجبال والبحار والبلدان والبراري، على الأحجار والأخزاف والجلود والأكتاف، إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق، عمن هو فوقه وعمّن هو مثله وعمّن هو دونه. وعن كتاب أبيه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره لوجه الله تعالى طلبًا لمرضاته، والعمل بما وافق كتاب الله ﷿ منها، ونشرها بين طالبيها ومحبّيها، والتأليف في إحياء ذكره بعده، ثم لا تتم له هذه الأشياء إلا بأربع هي من كسب العبد أعني معرفة الكتابة واللغة والصرف والنحو، مع أربع هي من إعطاء الله تعالى، أعني القدرة والصحة والحرص والحفظ، فإذا تمت له هذه الأشياء كلها هان عليه أربع: الأهل والمال والولد والوطن، وابتلي بأربع: بشماتة الأعداء وملامة الأصدقاء وطعن الجهلاء وحسد العلماء. فإذا صبر على هذه المحن أكرمه الله ﷿ في الدنيا بأربع: بعز القناعة وبهيبة النفس وبلذة العلم وبحياة الأبد. وأثابه في الآخرة بأربع: بالشفاعة لمن أراد من إخوانه، وبظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، وبسقي من أراد من حوض نبيه ﷺ،