وعن أبي حنيفة لا يجوز إلا في مسجد تصلّى فيه الصلوات الخمس لأن الاعتكاف عبارة عن انتظار الصلاة فلابد من اختصاصه بمسجد تصلّى فيه الصلوات الخمس، والأول هو قول الشافعي في الجديد ومالك في الموطأ وهو المشهور من مذهبه، وبه قال محمد وأبو يوسف صاحبا أبي حنيفة لقوله تعالى:(﴿ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد﴾)[البقرة: ١٨٧] معتكفون فيها والمراد بالمباشرة الوطء لما تقدم من قوله تعالى: ﴿أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم﴾ إلى قوله: ﴿فالآن باشروهن﴾ [البقرة: ١٨٧] وقيل معناه ولا تلامسوهن بشهوة واستدلال المؤلّف بالآية على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد تعقب بأنه ربما يدعى دلالتها على أن الاعتكاف قد يكون في غير المسجد وإلا لم يكن للتقييد دلالة وأجيب بأنه لو لم يكن ذكر المساجد لبيان أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد لزم اختصاص حرمة المباشرة باعتكاف يكون في المسجد وهو باطل اتفاقًا لأن الوطء العمد مفسد للاعتكاف بل يحرم به التقبيل واللمس بشهوة بالشروط السابقة في الصوم فإذا أنزل معهما أفسده كالاستمناء بخلاف ما إذا لم ينزل معهما أو أنزل معهما وكانا بلا شهوة كما في الصوم وسبب نزول هذه الآية ما روي عن قتادة أن الرجل كان إذا اعتكف خرج فباشر امرأته ثم رجع إلى المسجد فنهاهم الله عن ذلك وكذا قاله الضحاك ومجاهد (﴿تلك حدود الله﴾) أي الأحكام التي ذكرت (﴿فلا تقربوها﴾) أي فلا تغشوها (﴿كذلك﴾) مثل ذلك التبيين (﴿يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون﴾)[البقرة: ١٨٧] مخالفة الأوامر والنواهي ولفظ رواية أبوي الوقت وذر فلا تقربوها إلى آخر الآية وسقط لابن عساكر من قوله: ﴿تلك حدود الله﴾ إلى آخر قوله للناس.
وبالسند قال:(حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (أن نافعًا) مولى ابن عمر (أخبره عن عبد الله بن عمر ﵄ قال): (كان رسول الله ﷺ يعتكف العشر من رمضان) زاد من هذا الوجه قال نافع: وقد أراني عبد الله بن عمر المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله ﷺ من المسجد.
وبه قال:(حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة ﵂ زوج النبي ﷺ) (أن النبي ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من