الشريعة المحمدية لا نبيًّا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة (فيكسر الصليب) الذي تعظمه النصارى والأصل فيه ما روي أن رهطًا من اليهود سبوا عيسى وأمه عليهما الصلاة والسلام فدعا عليهم فمسخهم الله قردة وخنازير، فأجمعت اليهود على قتله فأخبره الله بأنه يرفعه إلى السماء فقال لأصحابه: أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة؟ فقام رجل منهم فألقى الله عليه شبهه فقتل وصلب، وقيل كان رجلاً ينافقه فخرج ليدل عليه فدخل بيت عيسى ورفع عيسى وألقي شبهه على المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون إنه عيسى، ثم اختلفوا فقال بعضهم: إنه إله لا يصح قتله، وقال بعضهم: إنه قد قتل وصلب، وقال بعضهم: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا وإن كان صاحبنا فأين عيسى؟ وقال بعضهم: رفع إلى السماء، وقال بعضهم: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا ثم تسلطوا على أصحاب عيسى ﵇ بالقتل والصلب والحبس حتى بلغ أمرهم إلى صاحب الروم فقيل له إن اليهود قد تسلطوا على أصحاب رجل كان يذكر لهم أنه رسول الله وكان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويفعل العجائب فعدوا عليه فقتلوه وصلبوه، فأرسل إلى المصلوب فوضع عن جذعه وجيء بالجذع الذي صلب عليه فعظمه صاحب الروم وجعلوا منه صلبانًا، فمن ثم عظم النصارى الصلبان فكسر عيسى ﵊ الصليب إذ نزل فيه تكذيبهم وإبطال لما يدعونه من تعظيمه وإبطال دين النصارى والفاء في فيكسر تفصيلية لقوله حكمًا والراء نصب عطفًا على الفعل المنصوب قبله وكذا قوله:
(ويقتل الخنزير) أي يأمر بإعدامه مبالغة في تحريم أكله وفيه بيان أنه نجس لأن عيسى ﵇ إنما يقتله بحكم هذه الشريعة المحمدية، والشيء الطاهر المنتفع به لا يباح إتلافه، وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى (ويضع الجزية) عن ذمتهم أي يرفعها وذلك بأن يحمل الناس على دين الإسلام فيسلمون وتسقط عنهم الجزية، وقيل يضعها يضربها عليهم ويلومهم إياها من غير محاباة وهذا قاله عياض احتمالاً، وتعقبه النووي بأن الصواب أن عيسى ﵇ لا يقبل إلا الإسلام، والجزية وإن كانت مشروعة في هذه الشريعة إلا أن مشروعيتها تنقطع بزمن عيسى ﵇ وليس عيسى بناسخ حكمها بل نبيّنا هو المبين للنسخ بقوله هذا والفعل بالنصب عطفًا على المنصوب السابق وكذا قوله:(ويفيض) بفتح التحتية وكسر الفاء وبالضاد المعجمة أي يكثر (المال حتى لا يقبله أحد) لكثرته واستغناء كل أحد بما في يديه بسبب نزول البركات وتوالي الخيرات بسبب العدل وعدم الظلم، وتخرج الأرض كنوزها وتقلّ الرغبات في اقتناء المال لعلمهم بقرب الساعة. وقوله: ويفيض ضبطه الدمياطي بالنصب كما مرّ، وضبطه ابن التين السفاقسي بالرفع على الاستئناف قال لأنه ليس من فعل عيسى ﵊.
وهذا الحديث أخرجه في أحاديث الأنبياء، ومسلم في الإيمان، والترمذي في الفتن وقال: حسن صحيح.