للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأسلميّ، يذهب الصالحون أوّلاً فأوّلاً، وليس لمرداس راوٍ غير قيس. وأخرج مسلم حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب، ولم يرو عنه غير ابنه سعيد. وأخرج البخاري حديث الحسن البصريّ عن عمرو بن تغلب "إني لأعطي الرجل والذي أدع أحبّ إليّ" الحديث. ولم يرو عن عمرو غير الحسن في أشياء عند البخاري على هذا النحو. وأما مسلم فإنه أخرج حديث الأغر المزني "إنه ليغان على قلبي" ولم يرو عنه غير أبي بردة في أشياء كثيرة اقتصرنا منها على هذا القدر، ليعلم أن القاعدة التي أسّسها الحاكم لا أصل لها. ولو اشتغلنا بنقض هذا الفصل الواحد في التابعين وأتباعهم وبمن روى عنهم إلى عصر الشيخين لأربى على كتابه المدخل، إلا أن الاشتغال بنقض كلام الحاكم لا يفيد فائدة اهـ.

وقال الحافظ أبو بكر الحازمي: هذا الذي قاله الحاكم قول من لم يمعن الغوص في خبايا الصحيح، ولو استقرأ الكتاب حق استقرائه لوجد جملة من الكتاب ناقضة لدعواه، وقد اتفق الأمة على تلقي الصحيحين بالقبول، واختلف في أيّهما أرجح. وصرّح الجمهور بتقديم صحيح البخاري، ولم يوجد عن أحد التصريح بنقضه. وأما ما نقل عن أبي عليّ النيسابوري أنه قال ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم، فلم يصرح بكونه أصح من صحيح البخاري، لأنه إنما نفى وجود كتاب أصح من كتاب مسلم، إذ المنفي إنما هو ما تقتضيه صيغة أفعل من زيادة صحة في كتاب شارك كتاب مسلم في الصحة، يمتاز بتلك الزيادة عليه ولم ينفِ المساواة. كذلك ما نقل عن بعض المغاربة أنه فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري، فذلك فيما يرجع إلى حسن السياق وجودة الوضع والترتيب. ولم يفصح أحد بأن ذلك راجع إلى الأصحّيّة، ولو صرّحوا به لرد عليهم شاهد الوجود، فالصفات التي تدور عليها الصحة في كتاب مسلم أتمّ منها في كتاب البخاري وأشد، وشرطه فيها أقوى وأسد. أما رجحانه من حيث الاتصال فلاشتراطه أن يكون الراوي قد ثبت له لقاء من روى عنه ولو مرة، واكتفى مسلم بمطلق المعاصرة، وألزم البخاري بأنه يحتاج أن لا يقبل المعنعن أصلاً، وما ألزمه به ليس بلازم، لأن الراوي إذا ثبت له اللقاء مرة لا يجري في روايته احتمال أن لا يكون سمع، لأنه يلزم من جريانه أن يكون مدلسه، والمسألة مفروضة في غير المدلس. وأما رجحانه من حيث العدالة والضبط، فلأن الرجال الذين تكلم فيهم من رجال مسلم أكثر عددًا من الرجال الذين تكلم فيهم من رجال البخاري، مع أن البخاري لم يكثر من إخراج حديثهم، بل غالبهم من شيوخه الذين أخذ عنهم ومارس حديثهم وميز جيدها من موهومها، بخلاف مسلم، فإن أكثر من تفرّد بتخريج حديثه ممن تكلم فيه ممن تقدّم عصره من التابعين ومن بعدهم، ولا ريب أن المحدث أعرف بحديث شيوخه ممن تقدّم عنهم. وأما رجحانه من حيث عدم الشذوذ والإعلال فلأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقل عددًا مما انتقد على مسلم. وأما الجواب عما انتقد عليه، فاعلم أنه لا يقدح في الشيخين كونهما أخرجا لمن طعن فيه، لأن تخريج صاحب الصحيح لأي راوٍ كان مقتضٍ لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته، لا سيما وقد انضاف إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>