أحدها: تقدم نفي أو نهي أو استفهام بهل نحو: ﴿وما تسقط من ورقة إلا يعلمها﴾ [الأنعام: ٥٩] ونحو: إلا يقم من أحد ونحو ﴿فارجع البصر هل ترى من فطور﴾ [الملك: ٣].
الثاني: تنكير مجرورها.
الثالث: كونه فاعلاً أو مفعولاً به أو مبتدأ والشرطان الأولان مفقودان هنا. وأجيب: بأن الأخفش لم يشترطهما مستدلاً بنحو ﴿ولقد جاءك من نبأ المرسلين﴾ [الأنعام: ٣٤] ﴿يغفر لكم من ذنوبكم﴾ [نوح: ٤] ﴿يحلون فيها من أساور﴾ [الكهف: ٣١] وكذا لم يشترط الكوفيون الأول.
وقال العيني كالكرماني: ويروى وهبت لك نفسي بدون كلمة من انتهى.
وفي الفرع علامة السقوط لأبوي ذر والوقت على قولها لك فالله أعلم. وفي قولها: قد وهبت لك نفسي حذف مضاف تقديره أمر نفسي أو نحوه وإلاّ فالحقيقة غير مرادة لأن رقبة الحرّ لا تملك فكأنها قالت: أتزوّجك من غير عوض، (فقال رجل): لم يسمّ نعم في رواية معمر والثوري عند الطبراني فقام رجل أحسبه من الأنصار وفي رواية زائدة عنده فقال رجل من الأنصار (زوّجنيها) زاد في باب السلطان ولي من كتاب النكاح إن لم يكن لك بها حاجة قال: هل عندك من شيء تصدقها؟ قال: ما عندي إلا إزاري. فقال: إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك. قال فالتمس شيئًا قال: ما أجد شيئًا؟ فقال التمس ولو خاتمًا من حديد فلم يجد. قال: أمعك من القرآن شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا السور سماها (قال)﵊:
(قد زوّجناكها بما معك من القرآن) الباء للتعويض كهي في نحو بعتك العبد بألف فظاهره جواز كون الصداق تعليم القرآن وليست هي للسبب أي لأجل ما معك من القرآن، وفي رواية مسلم اذهب فعلمها من القرآن وفي أخرى له علّمها عشرين آية ويحتج به من يجيز في الصداق أن يكون منافع، ومنعه أبو حنيفة في الحر وأجازه في العبد، وذهب الطحاوي وغيره إلى أن الباء للسبب وأن ذلك جائز له دون غيره لأنه لما جازت له الموهوبة جاز له أن يهبها ولذلك ملكها له ولم يشاورها وهذا يحتاج إلى دليل. ولئن سلمنا أنها للسبب فقد يكون الصداق مسكوتًا عنه لأنه أصدق عنه كما كفر عن الذي وطئ في رمضان إذ لم يكن عنده شيء أو أنكحه إياها نكاح تفويض وأبقى الصداق في ذمته حتى يكتسبه ويكون قوله بما معك من القرآن حضًّا له على تعلمه وتكرمه لأهله، وقد تعقب الداودي المصنف بأنه ليس في الحديث ما ترجم له فإنه لم يذكر فيه أنه ﷺ استأذنها ولا أنها وكّلته وإنما زوّجها للرجل بقول الله تعالى: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ [الأحزاب: ٦] انتهى.
قال في فتح الباري: وكأن المصنف أخذ ذلك من قولها قد وهبت نفسي لك ففوّضت أمرها إليه، وقال الذي خطبها زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فلم تنكر هي ذلك بل استمرّت على الرضا فكأنها فوّضت أمرها إليه بتزويجها أو يزوّجها لمن رأى.