(يرحم الله أُم إسماعيل) هاجر (لو تركت زمزم) لما ضرب جبريل موضعها بعقبه حتى ظهر ماؤها ولم تحوضه (أو قال)﵊(لو لم تغرف من الماء) إلى القربة والشك من الراوي (لكانت عينًا معينًا) بفتح الميم أي ظاهرًا جاريًا على وجه الأرض لأن ظهورها نعمة من لله محضة بغير عمل عامل فلما خالطها تحويض هاجر داخلها كسب البشر فقصرت على ذلك (وأقبل جرهم) بضم الجيم وسكون الراء حيّ من اليمن وهو ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح (فقالوا) لأُم إسماعيل (أتأذنين) لنا (أن ننزل عندك؟ قالت: نعم ولا حق لكم في الماء. قالوا: نعم) بفتح العين وفي لغة كنانة وهذيل كسرها وهي حرف تصديق ووعد وإعلام، فالأول بعد الخبر كقام زيد أو ما قام زيد، والثاني بعد أفعل ولا تفعل وما في معناهما نحو هلاّ تفعل وهلاّ لم تفعل وبعد الاستفهام في نحو: هل تعطيني، والثالث المتعين بعد الاستفهام في نحو: هل جاءك زيد، ونحو: ﴿فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا﴾ [الأعراف: ١٤٤] ولم يذكر سيبويه معنى الإعلام البتّة بل قال: وأما نعم فعدة وتصديق، وأما بلى فيوجب بها بعد النفي وكأنه رأى أنه إذا قيل هل قام زيد؟ فقيل: نعم فهي لتصديق ما بعد الاستفهام والأولى ما ذكرناه من أنها للإعلام إذ لا يصح أن يقال لقائل ذلك صدقت لأنه إنشاء لا خبر، وليعلم أنه إذا قيل: قام زيد فتصديقه نعم وتكذيبه لا ويمتنع دخول بلى لعدم النفي، وإذا قيل ما قام زيد فتصديقه نعم وتكذيبه بلى، ومنه: ﴿زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى﴾ [التغابن: ٧] ويمتنع دخول لا لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي، وإذا قيل أقام زيد فهو مثل قام زيد أعني إنك إذا أثبت القيام نعم، وإذا نفيته لا. ويمتنع دخول بلى. وإذا قيل: ألم يقم زيد فهو مثل لم يقم زيد فتقول إن أثبت القيام بلى ويمتنع دخول لا وإن نفيته قلت نعم. قال تعالى: ﴿ألست بربكم قالوا بلى﴾ [الأعراف: ١٧٢].
وعن ابن عباس أنه لو قيل: نعم في جواب ﴿ألست بربكم﴾ كان كفرًا، والحاصل أن بلى لا تأتي إلا بعد نفي وأن لا لا تأتي إلا بعد إيجاب وأن نعم تأتي بعدها، وإنما جاز ﴿بلى وقد جاءتك آياتي﴾ [الزمر: ٥٩] مع أنه لم تتقدم أداة نفي لأن: ﴿لو أن الله هداني﴾ [الزمر: ٥٧] يدل على نفي هدايته ومعنى الجواب حينئذٍ بلى قد هديتك بمجيء الآيات أي قد أرشدتك بذلك.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في أحاديث الأنبياء والنسائي في المناقب.