والسلام نهى عن مطلق الكذب، (فإنه) أي الشأن (من كذب عليّ فليلج النار) أي فليدخل فيها هذا جزاؤه وقد يعفو الله تعالى عنه، ولا يقطع عليه بدخول النار كسائر أصحاب الكبائر غير الكفر، وقد جعل الأمر بالولوج مسببًا عن الكذب لأن لازم الأمر الإلزام، والإلزام يولج النار بسبب الكذب عليه أو هو بلفظ الأمر ومعناه الخبر، ويؤيده رواية مسلم:"من يكذب عليّ يلج النار" ولابن ماجة: "فإن الكذب عليَّ يولج النار" وقيل: دعاء عليه ثم أخرج مخرج الذم.
وبه قال:(حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن جامع بن شداد) المحاربي الكوفي الثقة، المتوفى سنة ثمان عشرة ومائة (عن عامر بن عبد الله بن الزبير) بن العوام الأسدي القرشي، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائة (عن أبيه) عبد الله بن الزبير الصحابي أول مولود في الإسلام للمهاجرين بالمدينة وكان أطلس لا لحية له، وتوفي سنة اثنتين وسبعين أنه (قال):
(قلت للزبير) بن العوام بتشديد الواو حواري رسول الله ﷺ وأحد العشرة المبشرين بالجنة المتوفى بوادي السباع بناحية البصرة سنة ست وثلاثين بعد منصرفه من وقعة الجمل، وله في البخاري تسعة أحاديث (إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله ﷺ كما يحدّث فلان وفلان) أي كتحديث فلان وفلان وسمى منهما في رواية ابن ماجة عبد الله بن مسعود (قال) أي الزبير: (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف استفتاح ولذا كسرت همزة إن بعدها في قوله: (إني لم أفارقه)ﷺ زاد الإسماعيلي منذ أسلمت، والمراد المفارقة العرفية الصادقة بأغلب الأوقات، وإلا فقد هاجر إلى الحبشة ولم يكن مع النبي ﷺ في حال هجرته إلى المدينة لكن أجيب عن هجرة الحبشة بأنها كانت قبل ظهور شوكة الإسلام أي ما فارقته عند ظهور شوكته (ولكن) وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر والحموي ولكني، وفي رواية مما ليس في اليونينية ولكنني إذ يجوز في إن وأخواتها إلحاق نون الوقاية بها وعدمه (سمعته)ﷺ(يقول: من كذب عليَّ فليتبوّأ) بكسر اللام على الأصل وبسكونها على المشهور ومن موصول متضمن معنى الشرط والتالي صلته وفليتبوّأ جوابه أمر من التبوّء أي فليتخذ (مقعده من النار) أي فيها. والأمر هنا معناه الخبر أي أن الله تعالى يبوِّئه مقعده من النار، أو أمر على سبيل التهكم والتغليظ، أو أمر تهديد أو دعاء على معنى بوَّأه الله، وإنما خشي الزبير من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكنه قد يأثم بالإكثار، إذ الإكثار مظنة الخطأ، والثقة إذا حدَّث بالخطأ فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطأ يعمل به على الدوام للوثوق بنقله فيكون سببًا للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار، فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث، وأما من أكثر منهم