السياق حذف تقديره حرمت فأمر النبي ﷺ بإراقتها فأريقت فجرت في سكك المدينة فقال لي أبو طلحة (اخرج فأهرقها) بقطع الهمزة في الفرع ووصلها في غيره والجزم على الأمر أي صبها قال أنس: (فخرجت فهرقتها) بفتح الهاء والراء وسكون القاف والأصل أرقتها فأبدلت الهمزة هاء وقد يستعمل بالهمزة والهاء معًا كما مرّ وهو نادر أي صببتها (فجرت) أي سألت الخمر (في سكك المدينة) وفيه إشارة إلى توارد من كانت عنده من المسلمين على إراقتها حتى جرت في الأزقة من كثرتها.
قال المهلب: إنما صبت الخمر في الطريق للإعلان برفضها وليشتهر تركها وذلك أرجح في المصلحة من التأذّي بصبها في الطريق، ولولا ذلك لم يحسن صبّها فيه لأنها قد تؤذي الناس في ثيابهم ونحن نمنع من إراقة الماء في الطريق من أجل أذى الناس في ممشاهم فكيف أذى الخمر؟
قال ابن المنير: إنما أراد البخاري التنبيه على جواز مثل هذا في الطريق للحاجة فعلى هذا يجوز تفريغ الصهاريج ونحوها في الطرقات ولا يعدّ ذلك ضررًا ولا يضمن فاعله ما ينشأ عنه من زلق ونحوه انتهى.
ومذهب الشافعية لو رش الماء في الطريق فزلق به إنسان أو بهيمة فإن رش لمصلحة عامة كدفع الغبارعن المارّة فليكن كحفر البئر للمصلحة العامّة وإن كان لمصلحة نفسه وجب الضمان ولو جاوز القدر المعتاد في الرش. قال المتولي: وجب الضمان قطعًا كما لو بلّ الطين في الطريق فإنه يضمن ما تلف به، ويحتمل أنها إنما أريقت في الطرق المنحدرة بحيث ينصب إلى الأتربة والحشوش أو الأودية فتستهلك فيها، ويؤيده ما أخرجه ابن مردويه من حديث جابر بسند جيد في قصة صب الخمر قال: فانصبت حتى استنقعت في بطن الوادي.
(فقال بعض القوم) لم أقف على اسم القائل (قد قتل قوم وهي) أي الخمر (في بطونهم) وعند البيهقي والنسائي من طريق ابن عباس قال نزل تحريم الخمر في ناس شربوا فلما ثملوا عبثوا فلما صحوا جعل بعضهم يرى الأثر بوجه الآخر فنزلت فقال ناس من المتكلفين هي رجس وهي في بطن فلان وقد قتل بأُحد، وروى البزار من حديث جابر أن الذين قالوا ذلك كانوا من اليهود (فأنزل الله)﷿ الآية التي في سورة المائدة (﴿ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا﴾) الآية [المائدة: ٩٣] يعني شربوا قبل تحريمها ووقع في رواية الإسماعيلي عن ابن ناجية عن أحمد بن عبدة ومحمد بن موسى عن حماد في آخر هذا الحديث قال حماد فلا أدري هذا في الحديث أي عن أنس أو قاله ثابت أي مرسلاً يعني قوله فقال بعض القوم إلى آخر الحديث.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في تفسير سورة المائدة وفي الأشربة ومسلم وأبو داود في الأشربة.