ووقع عند ابن مردويه في رواية يزيد بن رومان عن عائشة ما يجمع القولين وفيه أن حفصة أهديت لها عكة فيها عسل وكان رسول الله ﷺ إذا دخل عليها حبسته حتى تلعقه أو تسقيه منها فقالت عائشة لجارية عندها حبشية يقال لها خضراء: إذا دخل على حفصة فانظري ما تصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل فأرسلت إلى صواحبها فقالت: إذا دخل عليكن فقلن إنّا نجد منك ريح مغافير، فقال: هو عسل والله لا أطعمه أبدًا فلما كان يوم حفصة استأذنته أن تأتي أباها فأذن لها فذهبت فأرسل إلى جاريته مارية فأدخلها بيت حفصة قالت حفصة: فرجعت فوجدت الباب مغلقًا فخرج ووجهه يقطر وحفصة تبكي فعاتبته فقال: "أشهدك أنها حرام انظري لا تخبري بهذا امرأة وهي عندك أمانة" فلما خرج قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أبشرك أن رسول الله ﷺ قد حرم أمته فنزلت أي: ﴿يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك﴾.
(فلما مضت تسع وعشرون) ليلة (دخل)﵊(على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة: إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة) باللام وللحموي والمستملي بتسع بالموحدة بدل اللام (أعدها عدًّا فقال النبي ﷺ):
(الشهر) الذي آليت فيه (تسع وعشرون وكان ذلك الشهر) وجد (تسع وعشرون) وفي رواية تسعًا وعشرين بالنصب خبر كان الناقصة. (قالت عائشة)﵂(فأنزلت آية التخيير) الآتية (فبدأ بي أوَل امرأة فقال) ولأبي الوقت قال: (إني ذاكر لك أمرًا ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك) أي لابأس عليك في عدم التعجيل أو لا زائدة أي ليس عليك التعجيل والاستئمار (قالت قد أعلم أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه) ولأبي ذر بفراقك (ثم قال)﵊(إن الله)﷿(قال: ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك﴾ إلى قوله (عظيمًا﴾)[الأحزاب: ٢٨، ٢٩] سقط لفظ قوله لأبي ذر وهذه آية التخيير المذكورة. (قلت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم خير)﵊(نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة) نريد الله ورسوله والدار الآخرة.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فدخل مشربة له لأن المشربة هي الغرفة، وكان البخاري يكفيه أن يكتفي من هذا الحديث بقوله مثلاً ودخل النبي ﷺ مشربة له فاعتزل كما هو شأنه وعادته، والظاهر أنه تأسى بعمر ﵁ في سياق الحديث بتمامه، وكان يكفيه في جواب سؤال ابن عباس أن يكتفي بقوله عائشة وحفصة لكنه ساق القصة كلها لما في ذلك من زيادة شرح وبيان.
وفي هذا الحديث فوائد جمة يأتي الكلام عليها في محالها إن شاء الله تعالى بمنّه وعونه.