للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجارية على بريرة وإن كانت معتقة إطلاقًا مجازيًّا باعتبار ما كانت عليه فاندفع الإشكال ولله الحمد انتهى.

وهذا الذي قاله: في المصابيح بناء على سبقية عتق بريرة وفيه نظر لأن قصتها إنما كانت بعد فتح مكة لأنها لما خيرت فاختارت نفسها كان زوجها يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها فقال: رسول الله للعباس: "يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة"؟ ففيه دلالة على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف وكان ذلك في أواخر سنة ثمانٍ، ويؤيد ذلك قول ابن عباس أنه شاهد ذلك وهو إنما قدم المدينة مع أبويه، وأيضًا فقول عائشة إن شاء مواليك أن أعدّها لهم عدة واحدة فيه إشارة إلى وقوع ذلك في آخر الأمر لأنهم كانوا في أول الأمر في غاية الضيق ثم حصل لهم التوسع بعد الفتح، وقصة الإفك في المريسيع سنة ست أو سنة أربع وفي ذلك ردّ على من زعم قصتها كانت متقدمة قبل قصة الإفك، وحمله على ذلك قوله هنا فدعا رسول الله بريرة.

وأجيب: باحتمال أنها كانت تخدم عائشة قبل شراءها أو اشترتها وأخرت عتقها إلى بعد الفتح أو دام حزن زوجها عليها مدة طويلة أو كان حصل لها الفسخ وطلب أن يردّه بعقد جديد أو كانت لعائشة ثم باعتها ثم استعادتها بعد الكتابة (فقال) : (يا بريرة هل رأيت فيها شيئًا يريبك)؟ بفتح أوّله يعني من جنس ما قيل فيها فأجابت على العموم ونفت عنها كل ما كان من النقائص من جنس ما أراد السؤال عليه وغيره (فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق إن رأيت) بكسر الهمزة أي ما رأيت (منها أمرًا أغمصه) بهمزة مفتوحة فغين معجمة ساكنة فميم مكسورة فصاد مهملة أعيبه (عليها) في كل أمورها، ولأبي ذر عن المستملي: قطّ (أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين) لأن الحديث السن يغلبه النوم ويكثر عليه (فتأتي الداجن فتأكله) بدال مهملة ثم جيم الشاة التي تألف البيوت ولا تخرج إلى المرعى، وفي رواية مقسم مولى ابن عباس عن عائشة عند الطبراني: ما رأيت منها شيئًا منذ كنت عندها إلا أني عجنت عجينًا لي فقلت: احفظي هذه العجينة حتى أقتبس نارًا لأخبزها فغفلت فجاءت الشاة فأكلتها وهو تفسير المراد بقولها فتأتي الداجن وهذا موضع الترجمة لأنه سأل بريرة عن حال عائشة وأجابت ببراءتها، واعتمد النبي على قولها حين خطب فاستعذر من ابن أُبي، لكن قال القاضي عياض: وهذا ليس ببيّن إذ لم تكن شهادة والمسألة المختلف فيها إنما هي في تعديلهن للشهادة فمنع من ذلك مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وأجازه أبو حنيفة في المرأتين والرجل لشهادتهما في المال، واحتج الطحاوي لذلك بقول زينب في عائشة وقول عائشة في زينب فعصمها الله بالورع قال: ومن كانت بهذه الصفة جازت شهادتها، وتعقب بأن إمامه أبا حنيفة لا يجيز شهادة النساء إلاّ في مواضع مخصوصة فكيف يطلق جواز تزكيتهنّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>