وقد وقع في بعض الروايات بيان السبب الحامل لسعد بن عبادة على مقالته هذه لابن معاذ.
ففي رواية ابن إسحاق فقال: سعد بن عبادة: ما قلت هذه المقالة إلا أنك علمت أنه من الخزرج، وفي رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عند الطبراني فقال سعد بن عبادة: يا ابن معاذ والله ما بك نصرة رسول الله ﷺ ولكنها قد كانت بيننا ضغائن في الجاهلية وإحَن لم تحلل لنا من صدوركم فقال ابن معاذ: الله أعلم بما أردت.
وقال في بهجة النفوس: إنما قال سعد بن عبادة لابن معاذ كذبت لا تقتله أي لا تجد لقتله من سبيل لمبادرتنا قبلك لقتله ولا تقدر على ذلك أي لو امتنعنا من النصرة فأنت لا تستطيع أن تأخذه من بين أيدينا لقوّتنا. قال: وهذا في غاية النصرة إذ أنه يخبر أنه في القوة والتمكين بحيث لا يقدر له الأوس مع قوتهم وكثرتهم، ثم هم مع ذلك تحت السمع والطاعة للنبي ﷺ فحملته الحمية مثل ما حملت الأول أو أكثر فلم يستطع أن يرى غيره قام في نصرته ﷺ وهو قادر عليها فقال لابن معاذ ما قال، وإنما قالت عائشة: ولكن احتملته الحميّة لتبين شدّة نصرته في القضية مع إخبارها بأنه صالح لأن الرجل الصالح أبدًا يعرف منه السكون والناموس لكنه زال عنه ذلك من شدة ما توالى عليه من الحمية لنبيّه ﷺ انتهى. وهو محمل حسن ينفي ما في ظاهر اللفظ مما لا يخفى.
(فقام أسيد بن الحضير) بضم الهمزة من أسيد والحاء المهملة من الحضير مصغرين ولأبي ذر:
ابن حضير زاد في التفسير وهو ابن عمّ سعد بن معاذ أي من رهطه (فقال) لابن عبادة: (كذبت لعمر الله والله لنقتلنّه) أي ولو كان من الخزرج إذا أمرنا رسول الله ﷺ بذلك وليست لكم قدرة على منعنا قابل قوله لابن معاذ كذبت لا تقتله بقوله كذبت لنقتلنّه (فإنك منافق) قال له ذلك مبالغة في زجره عن القول الذي قاله أي إنك تصنع صنيع المنافقين وفسّره بقوله: (تجادل عن المنافقين). قال المازري: لم يرد نفاق الكفر وإنما أراد أن يظهر الودّ للأوس ثم ظهر منه في هذه القضية ضدّ ذلك فأشبه حال المنافقين لأن حقيقته إظهار شيء وإخفاء غيره، وقال ابن أبي جمرة: وإنما صدر ذلك منهم لأجل قوة حال الحمية التي غطت على قلوبهم حين سمعوا ما قال ﷺ فلم يتمالك أحد منهم إلاّ قام في نصرته لأن الحال إذا ورد على القلب ملكه فلا يرى غير ما هو لسبيله، فلما غلبهم حال الحمية لم يراعوا الألفاظ فوقع منهم السباب والتشاجر لغيبتهم لشدة انزعاجهم في النصرة.
(فثار الحيّان الأوس والخزرج) بمثلثة والحيّان بمهملة فتحتية مشددة تثنية حيّ أي نهض بعضهم إلى بعض من الغضب (حتى هموا) زاد في المغازي والتفسير: أن يقتتلوا (ورسول الله ﷺ على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت)﵊. (وبكيت يومي) بكسر الميم وتخفيف الياء (لا يرقأ) بالهمزة لا يسكن ولا ينقطع (لي دمع أكتحل بنوم) لأن الهم يوجب السهر وسيلان الدمع (فأصبح عندي أبواي) أبو بكر الصديق وأم رومان أي جاءا إلى المكان الذي هي فيه من بيتهما (قد) ولأبوي ذر والوقت: وقد (بكيت ليلتين) بالتثنية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ليلتي بالإفراد