(قال) ولأبي ذر وقال (شعبة) بن الحجاج فيما وصله البيهقي من طريق يحيى بن كثير عنه (عن مغيرة) بن مقسم الكوفي (عن عامر) الشعبي (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (أفقرني) بفتح الهمزة وسكون الفاء فقاف مفتوحة فراء (رسول الله ﷺ ظهره) أي حملني عليه (إلى المدينة، وقال إسحاق) بن راهويه مما وصله في الجهاد (عن جرير) هو ابن عبد الحميد (عن مغيرة) بن مقسم الكوفي عن عامر عن جابر (فبعته على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة) فيه الاشتراط بخلاف التعليق السابق. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح (وغيره) أي عن جابر مما سبق مطوّلاً في باب الوكالة (لك) ولأبي ذر ولك (ظهره إلى المدينة) وليس فيه دلالة على الاشتراط. (وقال محمد بن المنكدر) مما وصله البيهقي من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه (عن جابر شرط ظهره إلى المدينة، وقال زيد بن أسلم عن جابر: ولك ظهره حتى ترجع) أي إلى المدينة وكذا وصله الطبراني أيضًا وليس فيه ذكر الاشتراط أيضًا. (وقال أبو الزبير) محمد بن أسلم بن تدرس مما وصله البيهقي (عن جابر أفقرناك ظهره إلى المدينة) وهو عند مسلم من هذا الوجه لكن قال قلت على أن لي ظهره إلى المدينة قال (ولك ظهره إلى المدينة). (وقال الأعمش) سليمان بن مهران مما وصله الإمام أحمد ومسلم (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن جابر تبلغ) بفوقية وموحدة مفتوحتين ولام مشددة فغين معجمة بصيغة الأمر (عليه إلى أهلك) وليس فيه ما يدل على الاشتراط وللنسائي من طريق ابن عيينة عن أيوب: وقد أعرتك ظهره إلى المدينة.
(قال أبو عبد الله) البخاري (الاشتراط) في العقد عند البيع (أكثر) طرفًا (وأصح عندي) مخرجًا من الرواية التي لا تدل عليه لأن الكثرة تفيد القوة وهذا وجه من وجوه الترجيح فيكون أصح، ويترجح أيضًا بأن الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة وهم حفاظ فيكون حجة وليست رواية من لم يذكر الاشتراط منافية لرواية من ذكره لأن قوله لك ظهره وأفقرناك ظهره وتبلغ عليه لا يمنع وقوع الاشتراط قبل ذلك.
وبهذا الحديث تمسك الحنابلة لصحة شرط البائع نفعًا معلومًا في المبيع وهو مذهب المالكية في الزمن اليسير دون الكثير، وذهب الجمهور إلى بطلان البيع لأن الشرط المذكور ينافي مقتضى العقد وأجابوا عن حديث الباب بأن ألفاظه اختلفت، فمنهم من ذكر فيه الشرط، ومنهم من ذكر ما يدل عليه، ومنهم من ذكر ما يدل على أنه كان بطريق الهبة وهي واقعة عين يطرقها الاحتمال، وقد عارضه حديث عائشة في قصة بريرة ففيه بطلان الشرط المخالف لمقتضى العقد، وصحّ من حديث جابر أيضًا النهي عن بيع الثنيا أخرجه أصحاب السنن وإسناده صحيح، وورد النهي عن بيع وشرط. وقال الإسماعيلي قوله ولك ظهره وعد قام مقام الشرط لأن وعده لا خلف فيه وهبته لا رجوع فيها لتنزيه الله تعالى له عن دناءة الأخلاق، فلذلك ساغ لبعض الرواة أن يعبر عنه بالشرط، ولا يجوز أن يصح ذلك في حق غيره، وحاصله أن الشرط لم يقع في نفس العقد وإنما وقع سابقًا أو لاحقًا فتبرع بمنفعته أوّلاً كما تبرع آخرًا وسقط في رواية غير أبي ذر قال أبو عبد الله إلى آخره.