وينظر في قول الكرماني إذ المستأذن هو الرجل الأعرابي لا خصمه حيث جعله علّة لقوله ائذن لي عطف على اقضِ لأن ظاهره التدافع على ما لا يخفى وكذا قول العيني في باب الاعتراف بالزنا من كتاب الحدود وقوله وائذن لي أي في الكلام لأتكلم، وهذا من جملة كلام الرجل لا الخصم وهذا من جملة فقهه حيث استأذن بحسن الأدب وترك رفع الصوت انتهى فليتأمل.
والعسيف بالسين المهملة والفاء أي كان أجيرًا (على هذا فزنى) أي ابنه (بامرأته) بامرأة الرجل (وإني أخبرت) بضم الهمزة وكسر الموحدة (أن على ابني الرجم) لكونه كان بكرًا واعترف (فافتديت) ابني (منه بمائة شاة) من الغنم (ووليدة) جارية (فسألت أهل العلم) الصحابة الذين كانوا يفتون في العصر النبويّ وهم الخلفاء الأربعة وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت الأنصاريون وزاد ابن سعد عبد الرحمن بن عوف (فأخبروني إنما على ابني جلد مائة) بإضافة جلد إلى مائة ولأبي ذر مائة جلدة (وتغريب عام) من البلد الذي وقع فيه ذلك (وإن على امرأة هذا الرجم فقال رسول الله ﷺ):
(والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله) أي بحكمه أو بما كان قرآنًا قبل نسخ لفظه (الوليدة والغنم رد) أي مردود (عليك) فأطلق المصدر على المفعول مثل نسج اليمن أي يجب ردّهما عليك وسقط قوله عليك لغير أبي ذر (وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) لأنه كان بكرًا واعترف هو بالزنا لأن إقرار الأب عليه لا يقبل نعم إن كان هذا من باب الفتوى، فيكون المعنى إن كان ابنك زنى وهو بكر فحدّه ذلك (اغد يا أنيس) بضم الهمزة وفتح النون مصغرًا (إلى امرأة هذا فإن اعترفت) بالزنا وشهد عليها اثنان (فارجمها) لأنها كانت محصنة (قال: فغدا عليها) أنيس (فاعترفت) بالزنا (فأمر بها رسول الله ﷺ فرجمت) يحتمل أن يكون هذا الأمر هو الذي في قوله: فإن اعترفت فارجمها، وأن يكون ذكر له أنها اعترفت فأمره ثانيًا أن يرجمها وبعث أنيس كما قاله النووي محمول عند العلماء من أصحابنا على إعلام المرأة بأن هذا الرجل قذفها بابنه فلها عليه حدّ القذف فتطالب به أو تعفو عنه إلا أن تعترف بالزنا فلا يجب عليه حدّ القذف بل عليها حدّ الزنا وهو الرجم قال: ولا بدّ من هذا التأويل لأن ظاهره أنه بعث ليطلب إقامة حدّ الزنا وهذا غير مراد لأن حدّ الزنا لا يحتاط له بالتجسس بل لو أقرّ الزاني استحب أن يعرض له بالرجوع.
ومطابقة الحديث للترجمة قيل في قوله فافتديت منه بمائة شاة ووليدة لأن ابن هذا كان عليه جلد مائة وتغريب عام وعلى المرأة الرجم فجعلوا في الحد الفداء بمائة شاة ووليدة كأنهما وقعا شرطًا لسقوط الحدّ عنهما فلا يحل هذا في الحدود، كذا قالوا وفيه تعسف لا يخفى لأن الذي وقع إنما هو صلح.
وهذا الحديث قد ذكره البخاري في مواضع مختصرًا ومطوّلاً في الصلح والأحكام والمحاربين والوكالة والاعتصام وخبر الواحد وأخرجه بقية الجماعة.