وهذا الحديث قد سبق في كتاب الإيمان. (باب تأويل قول الله) ولأبي ذر قوله تعالى (﴿من بعد وصية﴾ توصون) ولأبي ذر يوصي (﴿بها أو دين﴾) أي بيان المراد بتقديم الوصية في الذكر على الدين مع أن الدين هو المقدم في الأداء. قال ابن كثير: أجمع العلماء سلفًا وخلفًا أن الدين مقدّم على الوصية وبعده الوصية ثم الميراث وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية.
(ويذكر أن النبي ﷺ قضى بالدين قبل الوصية). رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن عليّ بن أبي طالب بلفظ قال: إنكم تقرؤون من بعد وصية يوصي بها أو دين وإن رسول الله ﷺ قضى بالدين قبل الوصية الحديث. وفيه الحرث الأعور تكلم فيه، لكن قال الترمذي إن العمل عليه عند أهل العلم، وقد قال السهيلي: قدمت الوصية في الذكر لأنها تقع على سبيل البرّ والصلة بخلاف الدين لأنه يقع قهرًا فكانت الوصية أفضل فاستحقت البداءة، وقيل الوصية تؤخذ بغير عوض فهي أشق على الورثة من الدين وفيها مظنة التفريط فكانت أهم فقدمت وقد نازع بعضهم في إطلاق كون الوصية مقدمة على الدين في الآية لأنه ليس فيها صيغة ترتيب بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وإنفاذ الوصية وأتى بأو التي للإباحة وهي كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين أي لك مجالسة كلٌّ منهما اجتمعا أو افترقا.
(وقوله) بالجر عطفًا على سابقه وزاد أبو ذر: ﷿(﴿إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها﴾)[النساء: ٥٨] خطاب يعمّ المكلفين والأمانات وإن نزلت يوم الفتح في عثمان بن طلحة لما أغلق باب الكعبة وأبى أن يدفع المفتاح ليدخل فيها فلوى عليّ يده وأخذه منه فأمر الله تعالى رسوله ﷺ أن يردّه عليه (فأداء الأمانة) الذي هو واجب (أحق من تطوّع الوصية، وقال النبي ﷺ) فيما وصله في كتاب الزكاة (لا صدقة) كاملة (إلا عن ظهر غنى) لفظ ظهر مقحم والمديون ليس بغني فالوصية التي لها حكم الصدقة تعتبر بعد الدين قاله الكرماني. (وقال ابن عباس)﵄ مما وصله ابن أبي شيبة (لا يوصي العبد إلا بإذن أهله) أي سيده (وقال النبي ﷺ) مما سبق موصولاً في باب كراهية التطاول على الرقيق من كتاب العتق (العبد راع في مال سيده).