قوله (﴿اثنان﴾) وجوّز الزمخشري أن يكون اثنان فاعل شهادة بينكم على معنى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان (﴿ذوا عدل﴾) أي أمانة وعقل (﴿منكم﴾) من المسلمين أو من أقاربكم (﴿أو آخران من غيركم﴾) من غير المسلمين يعني أهل الكتاب عند فقد المسلمين أو من غير أقاربكم (﴿إن أنتم ضربتم في الأرض﴾) أي سافرتم فيها (﴿فأصابتكم مصيبة الموت﴾) أي قاربتموها وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميّين عند فقد المسلمين أن يكون ذلك في سفر وأن يكون في وصية، وهذا مروي عن الإمام أحمد وهو من أفراده وخالفه الأئمة الثلاثة في ذلك وإن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿ممن ترضون من الشهداء﴾ [البقرة: ٢٨٢] وقد أجمعوا على ردّ شهادة الفاسق والكافر شر من الفاسق نعم جوّز أبو حنيفة شهادة الكفار بعضهم على بعض (﴿تحبسونهما﴾) تمسكونهما لليمين ليحلفًا (﴿من بعد الصلاة﴾) صلاة العصر أو صلاة أهل دينهما (﴿فيقسمان﴾) فيحلفان (﴿بالله إن ارتبتم﴾) أي ظهرت لكم ريبة من اللذين ليسا من أهل ملّتكم إنهما خانا فيحلفان حينئذٍ بالله (﴿لا نشتري به﴾) بالقسم (﴿ثمنًا﴾) لا نعتاض عنه بعوض قليل من الدنيا الفانية الزائلة (﴿ولو كان﴾) المشهود عليه (﴿ذا قربى﴾) أي قريبًا إلينا وجوابه محذوف أي لا نشتري (﴿ولا نكتم شهادة الله﴾) أي الشهادة التي أمر الله بإقامتها (﴿إنّا إذًا لمن الآثمين﴾) إن كتمناها (﴿فإن عُثر﴾) فإن اطلع (﴿على أنهما﴾) أي الشاهدين (﴿استحقا إثمًا﴾) أي استوجباه بالخيانة والحنث في اليمين (﴿فآخران﴾) فشاهدان آخران من قرابة الميت (﴿يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم﴾) الإثم أي فيهم ولأجلهم وهم ورثة الميت استحق الحالفان بسببهم الإثم فعلى بمعنى في كقوله على ملك سليمان أي في ملك سليمان (﴿الأوليان﴾) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هما الأوليان كأنه قيل: ومن هما؟ فقيل: هما الأوليان. وقيل بدل من الضمير في يقومان أو من آخران أي الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما من الأجانب (﴿فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما﴾) أي أصدق منهما وأولى بأن تقبل (﴿وما اعتدينا﴾) فيما قلنا فيهما من الخيانة (﴿إنّا إذًا لمن الظالمين﴾)[المائدة: ١٠٦، ١٠٧] إن كنا قد كذبنا عليهما.
ومعنى الآيتين كما قاله، القاضي: أن المحتضر إذا أراد الوصية ينبغي أن يشهد عدلين من ذوي نسبه أو دينه على وصيته أو يوصي إليهما احتياطًا فإن لم يجدهما بأن كان في سفر فآخران من غيرهم، ثم إن وقع نزاع وارتياب أقسما على صدق ما يقولان بالتغليظ في الوقت فإن اطّلع على أنهما كذبا بأمارة ومظنة حلف آخران من أولياء الميت، والحكم منسوخ إن كان الاثنان شاهدين فإنه لا يحلف الشاهد ولا يعارض يمينه بيمين الوارث وثبت إن كانا وصيين وردّ اليمين إلى الورثة إما لظهور خيانة الوصيين فإن تصديق الوصي باليمين لأمانته أو لتغيير الدعوى.
(﴿ذلك﴾) الذي تقدم من بيان الحكم (﴿أدنى﴾) أقرب (﴿أن يأتوا﴾) أي الشهداء على نحو تلك الحادثة (﴿بالشهادة على وجهها﴾) من غير تحريف ولا خيانة فيها (﴿أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم﴾) اي أقرب إلى أن يخافوا ردّ اليمين بعد يمينهم على المدّعين فيحلفون على خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا ويغرموا وإنما جمع الضمير لأنه حكم يعم الشهود كلهم (﴿واتقوا الله﴾) أن تحلفوا كاذبين أو