[آل عمران: ٢٣] وتعقبه الدماميني بأن حذف مثل هذا الحرف ونصب المجرور بعد حذفه غير مقيس. قال: ولنا مندوحة عن ارتكابه بأن نجعل يوم القيامة ظرفًا أي يدعون فيه غرًّا محجلين اهـ.
وقال ابن دقيق العيد: أو مفعول ثانٍ ليدعون بمعنى ينادون على رؤوس الأشهاد بذلك أو بمعنى يسمون بذلك.
فإن قلت: الغرة والتحجيل في الآخرة صفات لازمة غير منتقلة فكيف يكونان حالين؟ أجيب: بأن الحال تكون منتقلة أو في حكم المنتقلة إذا كانت وصفًا ثابتًا مؤكدًا نحو قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا﴾ [البقرة: ٩١] ومنه خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها، فأطول حالاً لازمة غير منتقلة، لكنها في حكم المنتقلة لأن المعلوم من سائر الحيوانات استواء القوائم الأربع فلا يخبر بهذا الأمر إلا من يعرفه، وكذلك هنا المعلوم في سائر الخلق عدم الغرة والتحجيل، فلما جعل الله ذلك لهذه الأمة دون سائر الأمم صارت في حكم المنتقلة بهذا العنى، ويحتمل أن تكون هذه علامة لهم في الموقف وعند الحوض، ثم تنتقل عنهم عند دخولهم الجنة فتكون منتقلة بهذا المعنى:
(من) أي لأجل (آثار الوضوء) أو من سببية أي بسبب آثار الوضوء ومثله قوله تعالى: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا﴾ [نوح: ٢٥] أي بسبب خطاياهم أغرقوا، وحرف الجرّ متعلق بمحجلين أو بيدعون على الخلاف في باب التنازع بين البصريين والكوفيين، والوضوء بضم الواو ويجوز فتحها فإن الغرة والتحجيل نشآ عن الفعل بالماء فيجوز أن ينسب إلى كُل منهما. (فمن استطاع) أي قدر (منكم أن يطيل غرته) بأن يغسل شيئًا من مقدّم رأسه وما يجاوز وجهه زائدًا على القدر الذي يجب غسله لاستيعاب كمال الوجه، وأن يطيل تحجيله بأن يغسل بعض عضده أو يستوعبها كما روي عن أبي هريرة وابن عمر (فليفعل) ما ذكر من الغرة والتحجيل فالمفعول محذوف للعلم به، ولمسلم فليطل غرّته وتحجيله، وادّعى ابن بطال وعياض وابن التين اتفاق العلماء على عدم استحباب الزيادة فوق المرفق والكعب، وردّ بأنه ثبت من فعله ﷺ وفعل أبي هريرة. وأخرجه ابن أبي شيبة من فعل ابن عمر بإسناد حسن وعمل العلماء وفتواهم عليه، وقال به القاضي حسين وغيره من الشافعية والحنفية، وأما قوله ﷺ:"فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم" فالمراد به الزيادة في عدد المرّات أو النقص عن الواجب لا الزيادة على تطويل الغرّة والتحجيل وهما من خواص هذه الأمة لا أصل الوضوء، واقتصر هنا على الغرّة لدلالتها على الآخر وخصّها بالذكر لأن محلها أشرف أعضاء الوضوء، وأوّل ما يقع عليه النظر من الإنسان. وحمل ابن عرفة فمما نقله عنه أبو عبد الله الأبّي الغرّة والتحجيل على أنهما كناية عن إنارة كل الذات لا أنه مقصور على أعضاء الوضوء، ووقع عند الترمذي من حديث عبد الله بن بسر وصححه "أمتي يوم القيامة غرّ من السجود محجلة من الوضوء". قال في المصابيح: وهو معارض بظاهر ما في البخاري.