أنزلت هذه الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا﴾ قلت: لا، قال: أما أنه لم يكن في زمان النبي ﷺ غزو يرابطون فيه ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد يصلون الصلاة في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها ففيهم أنزلت. اصبروا على الصلوات الخمس وصابروا أنفسكم وهواكم ورابطوا في مساجدكم الحديث. وكذا رواه الحاكم بنحوه في مستدركه، لكن حمل الآية على الأول أظهر كما قاله في الفتح، وعلى تقديم تسليم أنه لم يكن في عهده ﷺ رباط فلا يمنع ذلك من الأمر به والترغيب فيه اهـ.
وعن محمد بن كعب: اصبروا على دينكم وصابروا لوعدي الذي وعدتكم به ورابطوا عدوّي وعدوّكم حتى يترك دينه لدينكم (﴿واتقوا الله﴾) في جميع أموركم وأحوالكم (﴿لعلكم تفلحون﴾)[آل عمران: ٢٠٠] غدًا إذا لقيتموه تعالى وفي رواية غير أبي ذر بعد قوله تعالى: ﴿اصبروا﴾ إلى آخر الآية فحذف ما بينهما.
وبه قال:(حدّثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون المروزي أنه (سمع أبا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم التميمي أو الليثي الكناني البغدادي قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني (عن سهل بن سعد الساعدي ﵁ أن رسول الله ﷺ قال):
(رباط يوم) أي ثواب رباط يوم (في سبيل الله خير من) النعيم الكائن في (الدنيا وما عليها) كله لو ملكه إنسان وتنعم به لأنه نعيم زائل بخلاف نعيم الآخرة فإنه باقٍ وعبر بعليها دون فيها لما فيه من الاستعلاء وهو أعم من الظرفية وأقوى، وفيه دليل على أن الرباط يصدق بيوم واحد وكثيرًا ما يضاف السبيل إلى الله والمراد به كل عمل خالص يتقرب به إلى الله تعالى كأداء الفرائض والنوافل لكنه غلب إطلاقه على الجهاد حتى صار حقيقة شرعية فيه في مواضع (وموضع سوط أحدكم من الجنة خبر من الدنيا وما عليها)، عبر بالسوط دون سائر ما يقاتل به لأنه الذي يسوق به الفرس للزحف فهو أقل آلات الجهاد ومع كونه تافهًا في الدنيا فمحله في الجنة أو ثواب العمل به (والروحة) بفتح الراء المرة الواحدة من الرواح وهو السير فيما بين الزوال إلى الليل (يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة) بفتح الغين المعجمة المرة من الغدو وهو السير من أوّل النهار إلى الزوال (خير من الدنيا وما عليها). واو هنا للتقسيم لا للشك وهذا شامل لقليل السير وكثيره في الطريق إلى الغزو أو في موضع القتال.