الإيمان أولاً تعلق بأن الموصوف بكذا رسول وإيمانه ثانيًا تعلق بأن محمدًا ﷺ هو الموصوف بتلك الصفات فهما معلومان متباينان فجاء التعدد.
(فله أجران) أجر الإيمان بنبيّه وأجر الإيمان بمحمد ﷺ وكذا حكم الكتابية إذ النساء شقائق الرجال في الأحكام.
واستشكل دخول اليهود في ذلك لأن شرعهم نسخ بعيسى ﵊ والمنسوخ لا أجر في العمل به فيختص الأجران بالنصراني. أجيب: بأنّا لا نسلم أن النصرانية ناسخة لليهودية.
نعم لو ثبت ذلك لكان كذلك كذا قرره الكرماني وتبعه البرماوي وغيره، لكن قال في الفتح: لا خلاف أن عيسى ﵊ أرسل إلى بني إسرائيل فمن أجاب منهم نسب إليه ومن كذب منهم واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنًا فلا يتناوله الخبر لأن شرطه أن يكون مؤمنًا بنبيه. نعم من دخل في اليهودية من غير بني إسرائيل أو لم يكن بحضرة عيسى فلم تبلغه دعوته يصدق عليه أنه يهودي مؤمن إذ هو مؤمن بنبيه موسى ولم يكذب نبيًّا آخر بعده، فمن أدرك بعثة محمد ﷺ ممن كان بهذه المثابة وآمن به لم يشكل أنه دخل في الخبر المذكور. نعم الإشكال في اليهود الذين كانوا بحضرته ﷺ، وقد ثبت أن الآية الموافقة لهذا الحديث وهي قوله تعالى في سورة القصص: ﴿أولئك يؤتون أجرهم مرتين﴾ [القصص: ٥٤]. نزلت في طائفة آمنوا به كعبد الله بن سلام وغيره، ففي الطبراني من حديث رفاعة القرظي قال: نزلت هذه الآيات فيّ وفيمن آمن معي، وروى الطبراني بإسناد صحيح عن عليّ بن رفاعة القرظي قال: خرج عشرة من أهل الكتاب منهم أبي رفاعة إلى النبي ﷺ فآمنوا فأوذوا فنزلت: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾ [القصص: ٥٢]. فهؤلاء من بني إسرائيل ولم يؤمنوا بعيسى بل استمروا على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد ﷺ، وقد ثبت أنهم يؤتون أجرهم مرتين. قال الطيبي: فيحتمل إجراء الحديث على عمومه إذ لا يبعد أن يكون طريان الإيمان بمحمد ﷺ سببًا لقبول تلك الأديان وإن كانت منسوخة انتهى.
ويمكن أن يقال: إن الذين كانوا بالمدينة لم تبلغهم دعوة عيسى ﵊ لأنها لم تنتشر في أكثر البلاد فاستمروا على يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى إلى أن جاء الإسلام فآمنوا بمحمد ﷺ، فبهذا يرتفع الإشكال واشتراط بعضهم في الكتابي بقاءه على ما بعث به نبيه من غير تبديل ولا تحريف، وعورض بأنه ﷺ كتب إلى هرقل:"أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين" وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل والتقييد بأهل الكتاب مخرج لغيرهم من الكفار، فلا ينبغي حمله على العموم وإن جاء في الحديث أن حسنات الكفار مقبولة بعد إسلامهم لأن لفظ الكفار يتناول الكافر الحربي وليس له أجران قطعًا.
(والعبد) المملوك (الذي يؤدي حق الله) تعالى كالصلاة والصوم (وينصح لسيده) في خدمته وغيرها (له أجران) أيضًا أجر تأديته للعبادة وأجر نصحه.