المسلمين فكأنه حضّهم على ذلك ولو مرة واحدة وإن كان من الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ولو وقع مرة واحدة فلا ينبغي التهوّن بهم لما ينشأ عنه من المفسدة ولو قلّ.
وبه قال:(حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(هلك) أي مات (كسرى) بكسر الكاف وقد تفتح معرب خسرو أي واسع الملك وهو اسم لكل من ملك الفرس (ثم لا يكون كسرى بعده) بالعراق وفي رواية: إذا هلك كسرى إلخ … قال القرطبي: وبين رواية هلك وإذا هلك بون ويمكن الجمع بأن يكون أبو هريرة سمع أحد اللفظين قبل أن يموت كسرى والآخر بعد موته قال: ويحتمل أن يقع التغاير بالهلاك والموت فقوله: إذا هلك كسرى أي هلك ملكه وارتفع وقوله مات كسرى ثم لا يكون كسرى بعده المراد بعد كسرى حقيقة، والمراد بقوله هلك كسرى تحقق وقوع ذلك حتى عبّر عنه بلفظ الماضي وإن كان لم يقع بعد للمبالغة في ذلك كما في قوله تعالى: ﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه﴾ [النحل: ١]. (وقيصر) بغير صرف للعجمة والعلمية ونوّن في الفرع وصحح عليه مبتدأ خبره (ليهلكن) بفتح الياء وكسر اللام الثانية في الفرع كأصله وقيصر بالتنوين مصحح عليه وفي نسخة ولا قيصر ليهلكن بالصرف بعد النفي لزوال العلمية بالتنكير (ثم لا يكون قيصر بعده) بالشام. قال إمامنا الشافعي: وسبب الحديث أن قريشًا كانت تأتي الشام والعراق كثيرًا للتجارة في الجاهلية فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليها لمخالفتهم بالإسلام فقال ﵊: لا كسرى ولا قيصر بعدهما بهذين الإقليمين ولا ضرر عليكم فلم يكن قيصر بعده بالشام ولا كسرى بالعراق ولا يكون (ولتقسمن كنوزهما) أي مالهما المدفون وكل ما يجمع ويدّخر وسقطت ميم كنوزهما في الفرع وأصله (في سبيل الله)﷿ ولتقسمن بضم المثناة الفوقية وفتح السين والميم وتشديد النون مبنيًّا للمفعول.
٣٠٢٨ - "وَسَمَّى الْحَرْبَ خُدْعَةً".
[الحديث ٣٠٢٨ - طرفه في: ٣٠٢٩].
(وسمى) النبي ﷺ(الحرب خدعة) في غزوة الخندق لما بعث نعيم بن مسعود يخذل بين قريش وغطفان واليهود قاله الواقدي، وتكون بالتورية وبالكمين وبخلف الوعد وذلك من المستثنى الجائز المخصوص من المحرّم، وقال النووي: اتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز.