بكر" فهذا نص صريح فيما ذكرناه وأنه ﷺ إنما ترك كتابًا معوّلاً على أنه لا يقع إلا كذلك وهذا يبطل قول من قال: إنه كتاب بزيادة أحكام وتعليم وخشي عمر عجز الناس عن ذلك.
(فقالوا: هجر رسول الله ﷺ) بفتح الهاء والجيم من غير همز في أوله بلفظ الماضي، وقد ظن ابن بطال أنها بمعنى اختلط، وابن التين أنها بمعنى هذى وهذا غير لائق بقدره الرفيع إذ يقال إن كلامه غير مضبوط في حالة من الحالات بل كل ما يتكلم به حق صحيح لا خلف فيه ولا غلط سواء كان في صحة أو مرض أو نوم أو يقظة أو رضًا أو غضب. ويحتمل أن يكون المراد أن رسول الله ﷺ هجركم من الهجر الذي هو ضد الوصل لما قد ورد عليه من الواردات الإلهية، ولذا قال في الرفيق الأعلى. وقال النووي: وإن صح بدون الهمزة فهو لما أصابه الحيرة والدهشة لعظيم ما شاهده من هذه الحالة الدالة على وفاته وعظم المصيبة أجرى الهجر مجرى شدة الوجع. قال الكرماني: فهو مجاز لأن الهذيان الذي للمريض مستلزم لشدة وجعه فأطلق الملزوم وأراد اللازم، وللمستملي والحموي: أهجر بهمزة الاستفهام الإنكاري أي أهذى إنكارًا على من قال: لا تكتبوا أي لا تجعلوه كأمر من هذى في كلامه أو على من ظنه بالنبي ﷺ في ذلك الوقت لشدة المرض عليه.
(قال)﵊: (دعوني) أي اتركوني (فالذي أنا فيه) من المراقبة والتأهب للقاء الله والتفكّر في ذلك (خير مما تدعوني إليه) من الكتابة ونحوها (وأوصى)﵊(عند موته بثلاث) فقال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وفي ما بين عدن إلى ريف العراق طولاً ومن جدة إلى أطراف الشام عرضًا قاله الأصمعي فيما رواه عنه أبو عبيد، وقال الخليل: سميت جزيرة العرب لأن بحر فارس وبحر الحبش والعراق ودجلة أحاطت بها وهي أرض العرب ومعدنها ولم يتفرغ أبو بكر ﵁ لذلك فأجلاهم عمر ﵁، وقيل إنهم كانوا أربعين ألفًا ولم ينقل عن أحد من الخلفاء أنه أجلاهم من اليمن مع أنها من جزيرة العرب. (وأجيزوا الوفد بنحو ما) ولأبي الوقت بنحو مما (كنت أجيزهم) قال ابن المنير: والذي بقي من هذا الرسم ضيافات الرسل وإقطاعات الأعرابي ورسومهم في أوقات منه إكرام أهل الحجاز إذا وفدوا. قال ابن عيينة كما عند الإسماعيلي هنا والبخاري في الجزية أو سليمان الأحول كما في مسند الحميدي أو سعيد بن جبير كما عند النووي في شرح مسلم (ونسبت الثالثة). هي إنفاذ جيش أسامة، وكان المسلمون اختلفوا في ذلك على أبي بكر فأعلمهم أن النبي ﷺ عهد بذلك عند موته أو هي قوله: "لا تتخذوا قبري وثنًا" قال في المقدمة: ووقع في صحيح ابن حبان ما يرشد إلى أنها الوصية بالأرحام.
(وقال يعقوب بن محمد) الزهري فيما وصله إسماعيل القاضي في أحكامه (سألت المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب فقال): هي (مكة والمدينة واليمامة واليمن). وهذا موافق لما روي عن مالك إمام دار الهجرة.