البصري (عن مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب (عن أبيه) أسلم أنه (قال: قال عمر ﵁: لولا آخر المسلمين) الذين لم يوجدوا بعد (ما فتحت قرية إلا قسمتها) أي أرضها خاصة (بين أهلها) الفاتحين لها لأن ذلك حقهم بطريق الأصالة، لكنه ﵁ رأى أنه إذا فعل ذلك لم يبق شيء لمن يجيء بعد ممن يسد من الإسلام مسدًّا، فاقتضى حسن نظره ﵁ أن يفعل في ذلك أمرًا يسع أولهم وآخرهم فوقفها وضرب عليها الخراج للغانمين ولمن يجيء بعدهم من المسلمين ومنه بيعها وأن الحكم في أرض العنوة أن تقسم (كما قسم النبي خيبر) أي بين من شهدها كما تقسم الغنائم. وقال أبو حنيفة وصاحباه: الإمام بالخيار إن شاء خمسها وقسم أربعة أخماسها وإن شاء تركها أرض خراج، واحتج لهم بأنه ﷺ لم يكن قسم خيبر بكمالها ولكنه قسم طائفة منها على ما احتج به عمر ﵁ في هذا الحديث، وترك طائفة منها فلم يقسمها على ما روي عن ابن عباس وابن عمر وجابر، والذي كان قسمه منها هو الشق والنطاة وترك سائرها. وعن سهل بن أبي حثمة فيما رواه الطحاوي قال: قسم رسول الله ﷺ خيبر نصفين نصفًا لنوائبه وحاجته ونصفًا بين المسلمين ففيه أنه كان وقف نصفها لنوائبه وحاجته وقسم بقيتها بين من شهدها، وأن الذي وقفه منها هو الذي كان دفعه إلى اليهود مزارعة على ما في حديث ابن عمر وجابر. قال الطحاوي: فعلمنا من ذلك أنه قسم وله أن يقسم وترك وله أن يترك فثبت بذلك أن هذا حكم الأراضي المفتتحة للإمام أن يقسمها إن رأى ذلك صلاحًا للمسلمين كما قسم ﵊ ما قسم من خيبر وله تركها إن رأى ذلك صلاحًا للمسلمين، وقد فعل عمر ذلك في أرض السواد بإجماع الصحابة فتركها للمسلمين أرض خراج لينتفع بها من كان في عصره من المسلمين ومن بعدهم.
وأجاب الشافعي فيما قاله ابن المنذر: بأن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين فتحوا أرض السواد، وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله: لولا آخر المسلمين.
وأجيب: وبأن معناه لولا آخر المسلمين ما استطبت أنفس الغانمين.
وروى الطحاوي عن عبد الله بن عمر بن العاصي أن أباه لما فتح أرض مصر جمع من كان معه من الصحابة واستشارهم في قسمة أرضها بين من شهدها كما قسم بينهم غنائمها وكما قسم رسول الله ﷺ خيبر بين من شهدها أو يوقفها حتى يراجع عمر ﵁ فقال نفر منهم فيهم ابن الزبير بن العوّام: والله ما ذاك إليك ولا إلى عمر إنما هي أرض فتحها الله ﷿ علينا وأوجفنا عليها خيلنا ورجالنا وحوينا ما فيها، وقال نفر منهم: لا تقسمها حتى نراجع أمير المؤمنين فيها فاتفق رأيهم على أن يكتبوا إلى عمر في ذلك، فكتب إليهم عمر بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فقد وصل إليّ ما كان من إجماعكم على أن تفيئوا عطايا المسلمين ومؤن من يغزو العدوّ من أهل الكفر وإني إن قسمتها عليكم لم يكن لمن بعدكم من المسلمين مادة يغزون بها عدوّهم ولولا ما أحمل عليه في سبيل الله ﷿ وأدفع عن المسلمين من مؤنهم وأجري على