إضاعتها (يسعى بها) أي يتولاها ويذهب بها (أدناهم) أي أقلهم عددًا، فإذا أمن أحد من المسلمين كافرًا وأعطاه ذمته لم يكن لأحد نقضه (فمن أخفر مسلمًا) بهمزة مفتوحة فخاء ساكنة معجمة يقال خفرت الرجل أجرته وحفظته وأخفرت الرجل إذا نقضت عهده وذمامه، والهمزة فيه للإزالة أي أزلت خفارته كأشكيته إذا أزلت شكواه (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن والى قومًا) أي اتخذهم أولياء (بغير إذن مواليه) ظاهره يوهم أنه شرط وليس شرطًا لأنه لا يجوز له إذا أذنوا له أن يوالي غيرهم إنما هو بمعنى التوكيد لتحريمه والتنبيه على بطلانه والإرشاد إلى السبب فيه لأنه إذا استأذن أولياءه في موالاة غيرهم منعوه، والمعنى إن سولت له نفسه ذلك فليستأذنهم فإنهم يمنعونه (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل).
وهذا الحديث مرّ في باب ذمة المسلمين وجوارهم والغرض منه هنا كما قال ابن حجر: فمن أخفر مسلمًا أي نقض عهده كما مرّ. وقال العيني: يمكن أن تؤخذ المطابقة من قوله فمن أحدث حدثًا الخ … لأن في إحداث الحدث وإيواء المحدث والموالاة بغير إذن مواليه معنى الغدر فلذا استحق هؤلاء اللعنة اهـ.
(قال أبو موسى) هو محمد بن المثنى شيخ المؤلّف مما وصله أبو نعيم في المستخرج ولأبي ذر قال أي البخاري وقال أبو موسى، وقال في الفتح: ووقع في بعض نسخ البخاري حدّثنا أبو موسى قال: والأول هو الصحيح وبه جزم الإسماعيلي وأبو نعيم وغيرهما قال: (حدّثنا هاشم بن القاسم) أبو النضر التميمي قال: (حدّثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص (عن أبي هريرة ﵁) أنه (قال: كيف أنتم إذا لم تجتبوا) بجيم ساكنة ففوقية ثانية مفتوحة فموحدة من الجباية أي لم تأخذوا من الجزية والخراج (دينارًا ولا درهمًا؟ فقيل له: وكيف ترى ذلك كائنًا يا أبا هريرة؟ قال: إي) بكسر الهمزة وسكون التحتية (والذي نفس أبي هريرة بيده عن قول الصادق المصدوق). الذي لم يقل له إلا الصدق يعني أن جبريل مثلاً لم يخبره إلا بالصدق (قالوا: عم ذلك؟ قال: تنتهك) بضم الفوقية وسكون النون وفتح الفوقية الأخرى والكاف (ذمة الله وذمة رسوله ﷺ) أي يتناول ما لا يحل من الجور والظلم (فيشدّ الله ﷿ بالشين المعجمة المضمومة والدال المهملة (قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم) أي من الجزية.