بكرة) نفيع بن الحرث الثقفي (﵁ عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(الزمان) قال التوربشتي: اسم لقليل الوقت وكثيره وأراد به هاهنا السنة (قد استداره) أي الله ولأبي الوقت: استدار بحذف الضمير يعني عاد إلى زمنه المخصوص (كهيئته) الهيئة صورة الشيء وشكله وحالته والكاف صفة مصدر محذوف أي استدار استدارة مثل حالته والذي في اليونينية قال: الزمان قد استدار كهيئته (يوم خلق) الله (السماوات والأرض) ولأبي ذر: كهيئة بحذف الضمير يوم خلق الله بذكر الفاعل لا إله إلا هو ولابن عساكر والأرضين بالجمع (السنة اثنا عشر شهرًا) جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى، وأراد أن الزمان في انقسامه إلى الأعوام والأشهر عاد إلى أصل الحساب والوضع الذي ابتدأ منه وذلك أن العرب كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرًا آخر حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد وهو النسيء المذكور في قوله تعالى:(﴿إنما النسيء﴾) أي تأخير حرمة الشهر إلى آخر ﴿زيادة في الكفر﴾ [التوبة: ٣٧]. لأنه تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرمه فهو كفر آخر ضموه إلى كفرهم، قيل: أولى من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني كان يقوم على جمل في الموسم فينادي: إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه، ثم ينادي في القابل: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحلل فحرّموه يفعل ذلك كل سنة بعد سنة فينتقل المحرم من شهر إلى شهر حتى جعلوه في جميع شهور السنة، فلما كانت تلك السنة عاد إلى زمنه المخصوص به قبل ودارت السنة كهيئتها الأولى، فاقتضى الدوران أن يكون الحج في ذي الحجة كما شرعه الله تعالى، وقول الزمخشري: وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة وكانت حجة أبي بكر قبلها في ذي القعدة قاله مجاهد. وفيه نظر إذ كيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة وأنى هذا وقد قال الله تعالى: ﴿وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر﴾ [التوبة: ٣] الآية. وإنما نودي بذلك في حجة أبي بكر فلو لم تكن في ذي الحجة لما قال تعالى: ﴿يوم الحج الأكبر﴾ قاله ابن كثير. ونقل الحافظ ابن حجر أن يوسف بن عبد الملك زعم في كتابه تفضيل الأزمنة أن هذه المقالة صدرت من النبي ﷺ في شهر مارس وهو آذار بالرومية وهو برمهات بالقبطية.
(منها) أي من السنة (أربعة حرم: ثلاثة) ولابن عساكر ثلاث بحذف التاء لأن الشهر الذي هو واحد الأشهر بمعنى الليالي فاعتبر لذلك تأنيثه (متواليات) هي (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر) عطف على ثلاث لا على والمحرم وأضافه إلى مضر لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب ولم يكن يستحله أحد من العرب (الذي بين جمادى وشعبان) ذكره تأكيدًا وإزاحة للريب الحادث فيه من النسيء، وقيل: الأشبه أنه تأسيس وذلك أنهم كما مرّ كانوا يؤخرون الشهر من موضعه إلى شهر آخر فينتقل عن وقته الحقيقي، فقال ﷺ:"رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان لا رجب الذي هو عندكم وقد أنسأتموه". قيل: والحكمة في جعل المحرم أول السنة ليحصل الابتداء بشهر حرام والختم بشهر حرام والتوسط بشهر حرام وهو رجب وأما توالي شهرين في الآخر فلإرادة تعضيد الختام والأعمال بخواتيمها.