على ما سبق به القضاء وجرى به القلم الإلهي لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم المدبرات أمرًا فمنهم سماوية ومنهم أرضية، فهم بالنسبة إلى ما هيأهم الله له أقسام: فمنهم حملة العرش، ومنهم كروبيون الذين هم حول العرش وهم أشراف الملائكة مع حملة العرش وهم الملائكة المقربون، ومنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقد ذكر الله تعالى أنهم يستغفرون بظهر الغيب، ومنهم سكان السماوات السبع يعمرونها عبادة لا يفترون فمنهم الراكع دائمًا والقائم دائمًا والساجد دائمًا، ومنهم الذين يتعاقبون زمرة بعد زمرة إلى البيت المعمور كل يوم سبعون ألفًا يعودون إليه، ومنهم الموكلون بالجنان وإعداد الكرامة لأهلها وتهيئة الضيافة لساكنيها من ملابس ومساكن ومآكل ومشارب وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومنهم الموكلون بالنار وهم الزبانية ومقدموهم تسعة عشر وخازنها مالك وهو مقدم على جميع الخزنة، ومنهم الموكلون بحفظ بني آدم فإذا جاء قدر الله خلوا عنه، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد لا يفارقون الإنسان إلا عند الجنابة والغائط والغسل.
وقد روى الطبراني من حديث ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: لجبريل ﵇: "على أي شيء أنت"؟ قال: على الريح والجنود. قال:"وعلى أي شيء ميكائيل"؟ قال: على النبات والقطر. وفي حديث أنس عند الطبراني مرفوعًا:"إن ميكائيل ما ضحك منذ خلقت النار". وورد أن له أعوانًا يفعلون ما يأمرهم به فيصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الله تعالى.
وروينا أنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقرّها في الأرض، واتفق على عصمة الرسل منهم كعصمة رسل البشر وأنهم معهم كهم مع أممهم في التبليغ وغيره واختلف في غير الرسل منهم، فذهب بعضهم إلى القول بعدم عصمتهم لقصة هاروت وماروت وما روي عنهما من شرب الخمر والزنا والقتل مما رواه أحمد مرفوعًا وصححه ابن حبان، ومفهوم آية ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى﴾ [البقرة: ٣٤] الآية. إذ مفهومها أن إبليس كان منهم وإلا لم يتناوله أمرهم ولم يصح استثناؤه منهم قال في الأنوار: ولا يرد على ذلك قوله تعالى: ﴿إلا إبليس كان من الجن﴾ [الكهف: ٥٠] لجواز أن يقال كان من الجن فعلاً ومن الملائكة نوعًا، ولأن ابن عباس روى أن من الملائكة ضربًا يتوالدون يقال لهم الجن ومنهم إبليس، وحاصله أن من الملائكة من ليس بمعصوم وإن كان الغالب فيهم العصمة، كما أن من الإنس معصومين وإن كان الغالب فيهم عدمها، ولعل ضربًا من الملائكة لا يخالف الشياطين بالذات وإنما يخالفهم بالعوارض والصفات كالبررة والفسقة من الإنس والجن والذي عليه المحققون عصمة الملائكة مطلقًا.
وأجابوا: بأن إبليس كان جنيًّا نشأ بين أظهر الملائكة وكان مغمورًا بالألوف منهم فغلبوا عليه، أو أن الجن كانوا مأمورين مع الملائكة، لكن استغنى بذكر الملائكة عن ذكرهم فإنه إذا علم أن الأكابر مأمورون بالتذلل لأحد والتوسل به علم أن الأصاغر أيضًا مأمورون به.