للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولعله كان قبل تحريم رفع الصوت على صوته أو كان ذلك من طبعهن (فلما استأذن عمر) في الدخول (فمن) حال كونهن (يبتدرن الحجاب) أي يتسارعن إليه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: في الحجاب (فأذن له رسول الله ) أن يدخل فدخل (ورسول الله يضحك) جملة حالية (فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله) يريد لازم الضحك وهو السرور (قال) :

(عجبت من هؤلاء اللاتي) بالمثناة الفوقية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: اللائي بالهمزة بدل الفوقية (كن عندي) يتكلمن (فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب) هيبة منك (قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن) بفتح الهاء من الهيبة (ثم قال) عمر لهن: (أي عدوّات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله ) بفتح الهاء فيهما كالسابقة (قلن: نعم. أنت أفظ وأغلظ من رسول الله ). أفظ وأغلظ بالمعجمتين بصيغة أفعل التفضيل من الفظاظة والغلظة وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل ويعارضه قوله تعالى: ﴿ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾ [آل عمران: ١٥٩] فإنه يقتضي أنه لم يكن فظًّا ولا غليظًّا. وفي حديث صفته في التوراة مما أخرجه البيهقي وغيره عن كعب الأحبار: ليس بفظ ولا غليظ. وأجاب الزركشي: بأن أفعل التفضيل قد يجيء لا للمشاركة في أصل الفعل كقولهم العسل أحلى من الخل. قال في المصابيح وهو كلام إقناعي لا تحرير فيه وتحريره أن لأفعل حالات.

إحداها: وهي الأصلية أن تدل على ثلاثة أمور. أحدها: اتصاف من هو له بالحدث الذي اشتق منه وبهذا المعنى كان وصفًا، والثاني مشاركة مصحوبة له في تلك الصفة، والثالث: تمييز موصوفة على مصحوبة فيها وبكل من هذين المعنيين فارق غيره من الصفات.

الحالة الثانية: أن يبقى على معانيه الثلاثة، ولكن يخلع منه قيد المعنى الثاني ويخلفه قيد آخر، وذلك أن المعنى الثاني وهو الاشتراك كان مقيدًا بتلك الصفة التي هي المعنى الأول فيصير مقيدًا بالزيادة التي هي المعنى الثالث. ألا ترى أن المعنى في قولهم: العسل أحلى من الخل أن للعسل حلاوة وأن تلك الحلاوة ذات زيادة وأن زيادة حلاوة العسل أكثر من زيادة حموضة الخل قاله ابن هشام في حاشية التسهيل وهو بديع جدًا.

الحالة الثالثة: أن يخلع منه المعنى الثاني وهو المشاركة، وقيد المعنى الثالث وهو كون الزيادة على مصاحبه فيكون للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى زيادة مطلقة لا مقيدة وذلك نحو قولك: يوسف أحسن أخوته اهـ.

وحاصله أن الأفظ هنا بمعنى فظ. قال في الفتح: وفيه نظر للتصريح بالرَجيح المقتضي لحمل أفعل على بابه، والجواب أن الذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفة فلا يستلزم ما في الحديث بل مجرد وجود الصفة له في بعض الأحوال وهو عند إنكار المنكر مثلاً فقد أمره الله تعالى بالأغلاظ على الكافرين والمنافقين في قوله تعالى: ﴿واغلظ عليهم﴾ [التوبة: ٧٣] فالنفي بالنسبة إلى المؤمنين والأمر بالنسبة إلى الكافرين والمنافقين أو النفي محمول على طبعه الكريم الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>